- تعالى-: وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ ... فقد رفع الله- تعالى- العذاب عن بعض الناس بسبب بعض، وذلك انتفاع بعمل الغير.
تمام العشرين: أن صدقة الفطر تجب على الصغير وغيره ممن يمونه الرجل، فإنه ينتفع بذلك من يخرج عنه، ولا سعى له فيها.
ثم قال- رحمه الله-: ومن تأمل العلم وجد انتفاع الإنسان بما لم يعمله ما لا يكاد يحصى، فكيف يجوز أن تتأول الآية الكريمة، على خلاف صريح الكتاب والسنة، وإجماع الأمة ... «١» .
والخلاصة أن الآية الكريمة قد تكون من قبيل العام الذي قد خص بأمور كثيرة. كما سبق أن أشرنا، وقد تكون مخصوصة بقوم إبراهيم وموسى- عليهما السلام-، لأنها حكاية عما في صحفهما، أما الأمة الإسلامية فلها سعيها، ولها ما سعى لها به غيرها، وهذا من فضل الله ورحمته بهذه الأمة.
وقد قال بعض الصالحين في معنى هذه الآية: ليس للإنسان إلا ما سعى عدلا، ولله- تعالى- أن يجزيه بالحسنة ألفا فضلا.
ولهذه المسألة تفاصيل أخرى في كتب الفقه، فليرجع إليها من شاء.
ثم بين- سبحانه- بعد ذلك جانبا من مظاهر قدرته ورحمته، فقال- تعالى-: وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى. أى: وأن إلى ربك وحده- لا إلى غيره- انتهاء الخلق ومرجعهم ومصيرهم فيجازى الذين أساءوا بما عملوا، ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى.
فقوله: الْمُنْتَهى: مصدر بمعنى الانتهاء، والمراد بذلك مرجعهم إليه- تعالى- وحده، وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى أى: وأنه- سبحانه- هو الذي أوجد في هذا الكون ما يؤدى إلى ضحك الإنسان وسروره تارة، وما يؤدى إلى حزنه وبكائه تارة أخرى. فبسبب ما يحيط بالإنسان من مؤثرات ومن مشاعر مختلفة: تارة يضحك وتارة يبكى.
وما أكثر هذه المؤثرات والأحوال والاعتبارات والدوافع.. في حياة الإنسان.
فالآية الكريمة انتقال من وجوب الاعتبار بأحوال الآخرة إلى وجوب الاعتبار بأحوال الإنسان، وبما يحيط به من مؤثرات تارة تضحكه وتارة تبكيه.
وأسند- سبحانه- الفعلين إليه لأنه هو خالقهما، وهو الموجد لأسبابهما.
(١) راجع حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٢٣٦.