مستعار، للانتقام الشديد، وانتصاب أَخْذَ ... على المفعولية المطلقة، وإضافته إلى «عزيز مقتدر» من إضافة المصدر إلى فاعله.
والعزيز: الذي لا يغلبه غالب، والمقتدر: الذي لا يعجزه شيء يريده.
أى: فأخذناهم أخذا لم يبق منهم أحدا، بل أهلكناهم جميعا، لأن هذا الأخذ صادر عن الله- عز وجل- الذي لا يغلبه غالب، ولا يعجزه شيء.
ووصف- سبحانه- ذاته هنا بصفة العزة والاقتدار، للرد على دعاوى فرعون وطغيانه وتبجحه، فقد وصل به الحال أن زعم أنه الرب الأعلى.. فأخذه- سبحانه- أخذ عزيز مقتدر، يحق الحق ويبطل الباطل.
وبعد هذا الحديث المتنوع عن أخبار الطغاة الغابرين، التفتت السورة الكريمة بالخطاب إلى كفار مكة، لتحذرهم من سوء عاقبة الاقتداء بالكافرين، ولتدعوهم إلى التفكر والاعتبار، فقال- تعالى-: أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ.
والاستفهام للنفي والإنكار، والمراد بالخيرية، الخيرية الدنيوية، كالقوة والغنى والجاه، والسلطان، والخطاب لأهل مكة.
والبراءة من الشيء: التخلص من تبعاته وشروره، والمراد بها التخلص من العذاب الذي أعده الله- تعالى- للكافرين، والسلامة منه.
والزبر: جمع زبور، وهو الكتاب الذي يكتب فيه.
والمعنى: أكفاركم- يا أهل مكة- خير من أولئكم السابقين في القوة والغنى والتمكين في الأرض ... ؟ أم أن لكم عندنا عهدا في كتبنا، بأن لا نؤاخذكم على كفركم وشرككم ... ؟
كلا، ليس لكم شيء من ذلك فأنتم لستم بأقوى من قوم نوح وهود وصالح ولوط، أو من فرعون وملئه، وأنتم- أيضا- لم تأخذوا منا عهدا بأن نبرئكم من العقوبة عن كفركم..
وما دام الأمر كذلك فكيف أبحتم لأنفسكم الإصرار على الكفر والجحود؟ إن ما أنتم عليه من شرك لا يليق بمن عنده شيء من العقل السليم.
ثم انتقل- سبحانه- إلى توبيخهم على شيء آخر من أقوالهم الباطلة فقال: أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ. أى. بل أيقولون نحن جميع يد واحدة، وسننتصر على من خالفنا وعادانا؟ ولقد توهموا ذلك فعلا، وجاهروا به.
وقد رد الله- تعالى- عليهم بما يبطل دعاواهم فقال: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ والتعريف في الْجَمْعُ للعهد، والدبر: الظهر وما أدبر من المتجه إلى الأمام.