للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجملة الثانية وهي قوله- تعالى-: قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ بمثابة العلة لنفى هذا الإكراه على الدخول في الدين، أى قد ظهر الصبح لذي عينين، وانكشف الحق من الباطل، والهدى من الضلال وقامت الأدلة الساطعة على أن دين الإسلام هو الدين الحق وغيره من الأديان ضلال وكفران ومادام الأمر كذلك فقد توافرت الأسباب التي تدعو إلى الدخول في دين الإسلام، ومن كفر به بعد ذلك فليحتمل نتيجة كفره، وسوء عاقبة أمره.

ثم قال- تعالى-: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها.

الطاغوت: اسم لكل ما يطغى الإنسان، كالأصنام والأوثان والشيطان وكل رأس في الضلال وكل ما عبد من دون الله. وهو مأخوذ من طغا يطغى- كسعى يسعى- طغيا وطغيانا، أو من يطغو طغوا طغوانا، إذا جاوز الحد وغلا في الكفر وأسرف في المعاصي والفجور.

والعروة: في أصل معناها تطلق على ما يتعلق بالشيء من عراه أى من الجهة التي يجب تعليقه منها، وتجمع على عرى. والعروة من الدلو والكوز مقبضه، ومن الثوب مدخل زره.

والوثقى: مؤنث الأوثق، وهو الشيء المحكم الموثق. يقال وثق- بالضم- وثاقة أى: قوى وثبت فهو وثيق أى ثابت محكم.

والانفصام. الانكسار، والفصم كسر الشيء وقطعة.

والمعنى: فمن خلع الأنداد والأوثان وما يدعو إليه الشيطان من عبادة غير الله، وآمن بالله- تعالى- إيمانا خالصا صادقا فقد ثبت أمره واستقام على الطريقة المثلى التي لا انقطاع لها وأمسك من الدين بأقوى سبب وأحكم رباط.

والفاء في قوله: فَمَنْ يَكْفُرْ للتفريع. والسين والتاء في استمسك للتأكيد والطلب، وقوله: فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى فيه- كما يقول الزمخشري- تمثيل للمعلوم بالمنظور والاستدلال بالمشاهد المحسوس حتى يتصوره السامع كأنما ينظر إليه بعينه فيحكم اعتقاده والتيقن به، وجملة «لا انفصام لها» استئناف مقرر لما قبله أو حال من «العروة» والعامل «استمسك» .

ثم ختم- سبحانه الآية بقوله: وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ أى سميع للأقوال، وهمسات القلوب، وخلجات النفوس، عليم بما يسره الناس وما يعلنونه، وسيجازيهم بما يستحقون من ثواب أو عقاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>