الملتوت.. فكانت تلك الجبال كالهباء المنبث أى: المتفرق الذي يلوح من خلال شعاع الشمس إذا ما دخل من نافذة..
إذا ما حدث كل ذلك، وجد كل إنسان جزاءه من خير أو شر، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ.
فجواب الشرط ما ذكرته الآيات بعد ذلك من حسن عاقبة أصحاب الميمنة وسوء عاقبة أصحاب المشأمة.
ومن الآيات الكثيرة، التي وردت في معنى هذه الآيات قوله- تعالى-: يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلًا «١» .
والخطاب في قوله- تعالى-: وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً للناس جميعا، وكان بمعنى صار، والأزواج بمعنى الأصناف والأنواع..
أى: وصرتم- أيها الناس- في هذا اليوم الهائل الشديد، أصنافا ثلاثة، على حسب أحوالكم في الدنيا..
ثم فصل- سبحانه- الحديث عن الأزواج الثلاثة فقال: فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ، وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ. وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ.
والمراد بأصحاب الميمنة، أولئك السعداء الذين يؤتون كتبهم يوم القيامة بأيمانهم، أو لأنهم يذهب بهم ذات اليمين إلى الجنة..
أو سموا بذلك، لأنهم ميامين، أى: أصحاب بركة على أنفسهم، لأنهم أطاعوا ربهم وخالفوا أهواءهم.. فكانت عاقبتهم الجنة.
وسمى الآخرون بأصحاب المشأمة، لأنهم مشائيم، أى: أصحاب شؤم على أنفسهم، لأنهم طغوا وآثروا الحياة الدنيا، فكانت عاقبتهم النار.
أو سموا بذلك، لأنهم يؤتون كتبهم بشمائلهم. أو لأنهم يذهب بهم ذات الشمال إلى النار..
والعرب تسمى الشمال شؤما، كما تسمى اليمين يمنا.
والتعبير بقوله: ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ للتفخيم والإعلاء من شأنهم، كما أن التعبير بقوله- تعالى-: ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ للتحقير والتعجيب من حالهم.
وجملة: ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ مكونة من مبتدأ- وهو ما الاستفهامية-، وخبر وهو
(١) سورة المزمل الآية ١٤.