التي لا يرويها الماء مهما كثر لأنها مصابة بداء، هذا الداء يمنعها من الشبع منه، فما تزال تشرب منه حتى تهلك.
فقوله: الْهِيمِ صفة لموصوف محذوف، أى: الإبل الهيم، جمع أهيم للمذكر. وهيماء للمؤنث.
والهيام- بضم الهاء- داء يصيب الإبل، يجعلها تشرب فلا تشبع، وما تزال تشرب حتى تهلك، أو تسقم سقما شديدا يؤدى إلى موتها، والفاء في قوله- تعالى-: فَشارِبُونَ عَلَيْهِ عطف على لَآكِلُونَ ... لإفادة أن شربهم مع عطشهم الشديد، يأتى بعد أكلهم من الزقوم، بدون مهلة أو استراحة.
وقوله: فَشارِبُونَ شُرْبَ ... تأكيد لما قبله، للتنبيه على أن هذا الشراب- مع فظاعته وقبحه- لا مفر لهم منه، ولا انفكاك لهم عنه.
ثم ختم- سبحانه- هذه الآيات بقوله: هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ والنزل: ما يعد للضيف من منزل حسن، ومأكل حسن لإكرامه.
أى: هذا المذكور من أنواع العذاب المهين.. نزلهم ومسكنهم ومقرهم أول قدومهم يوم الجزاء ...
فالإشارة بقوله: هذا إلى ما ذكر قبل ذلك من عذاب مهين، من مظاهره أكلهم من الزقوم، وشربهم من الحميم..
والتعبير عما أعد لهم من عذاب بالنزل، على سبل التهكم، كما في قول الشاعر:
وكنا إذا الجبار بالجيش ضافنا ... جعلنا القنا والمرهفات له نزلا
وبذلك نرى الآيات الكريمة، وقد بينت ما أعد لأصحاب الشمال، من عذاب مهين، بأسلوب تقشعر من هوله الأبدان ...
وبعد هذا الحديث الجامع عن أقسام الناس يوم القيامة، وعن جزاء كل قسم ... أخذت السورة الكريمة في إقامة الأدلة على وحدانية الله- تعالى- وعلى كمال قدرته ...
وجاءت هذه الأدلة لا عن طريق أمور تخييلية، أو فلسفية، أو غيبية ... وإنما عن طريق أمور يحسونها بأنفسهم، ويشاهدونها بأعينهم.. عن طريق خلقهم، وزروعهم التي يزاولونها بأيديهم، والماء الذي يشربونه، والنار التي يوقدونها..
لنستمع إلى السورة الكريمة، وهي تحكى كل ذلك فتقول: