للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ يقال: سبقته على الشيء إذا أعجزته عنه، وغلبته عليه، ولم تمكنه منه، فمعنى قوله وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ أنا قادرون على ذلك لا تغلبوننا عليه. وأمثالكم جمع مثل- بسكون الثاء- أى: على أن نبدل منكم ومكانكم أشباهكم من الخلق

وَعلى أن نُنْشِئَكُمْ

في خلق لا تعلمونها وما عهدتم مثلها. يعنى أنا نقدر على الأمرين جميعا: على خلق ما يماثلكم وما لا يماثلكم، فكيف نعجز عن إعادتكم.

ويجوز أن يكون أمثالكم جمع مثل، بفتحتين أى: على أن نبدل ونغير صفاتكم التي أنتم عليها في خلقكم وأخلاقكم، وننشئكم في صفات لا تعلمونها.. «١» .

ثم لفت- سبحانه- أنظارهم إلى ما يعلمونه من حالهم فقال: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ.

أى: والله لقد علمتم النشأة الأولى من خلقكم، حيث أوجدناكم من نطفة فعلقة فمضغة ...

فهلا تذكرتم ذلك وعقلتموه، وعرفتم أن من قدر على خلقكم ولم تكونوا شيئا مذكورا.. قادر على إعادتكم إلى الحياة مرة أخرى؟.

فالمقصود بهذه الآيات الكريمة إقامة الأدلة الساطعة، على إمكانية البعث وعلى أن من قدر على خلق الإنسان مع العدم قادر على إعادته.

قال القرطبي: وفي الخبر: عجبا كل العجب للمكذب بالنشأة الأخرى، وهو يرى النشأة الأولى. وعجبا للمصدق بالنشأة الآخرة، وهو لا يسعى لدار القرار «٢» .

ثم انتقلت السورة الكريمة إلى بيان الدليل الثاني على صحة البعث وإمكانيته. فقال- تعالى-: أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ. أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ، لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ. إِنَّا لَمُغْرَمُونَ. بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ.

والحرث: شق الأرض من أجل زراعتها، والمراد به هنا: وضع البذر فيها بعد حرثها.

أى: أخبرونى عن البذور التي تلقون بها في الأرض بعد حرثها، أأنتم الذين تنبتونها وتصيرونها زرعا بهيجا نضرا أم نحن الذين نفعل ذلك؟ لا شك أنا نحن الذين نصير هذه البذور زروعا ونباتا يانعا، ولو نشاء لجعلنا هذا النبات حُطاماً أى مكسرا مهشما يابسا لا نفع فيه، فظللتم بسبب ذلك تَفَكَّهُونَ أى: فصرتم بسبب ما أصاب زرعكم من هلاك، تتعجبون مما أصابه، وتتحسرون على ضياع أموالكم، وتندمون على الجهد الذي بذلتموه من غير فائدة..


(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٥٦.
(٢) تفسير القرطبي ج ٤٧ ص ٢١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>