ثم حكى القرآن جواب نمرود على إبراهيم فقال: قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ أى قال ذلك الطاغية: إذا كنت يا إبراهيم تدعى أن ربك وحده الذي يحيى ويميت فأنا أعارضك في ذلك لأنى أنا- أيضا أحيى وأميت وما دام الأمر كذلك فأنا مستحق للربوبية. قالوا: ويقصد بقوله هذا أنه يستطيع أن يعفو عمن حكم بقتله، ويقتل من شاء أن يقتله.
ولقد كان في استطاعة إبراهيم- عليه السلام- أن يبطل قوله، بأن يبين له بأن ما يدعيه ليس من الأحياء والإماتة المقصودين بالاحتجاج، لأن ما قصده إبراهيم هو إنشاء الحياة وإنشاء الموت، كان في استطاعة الخليل- عليه السلام- أن يفعل ذلك، ولكنه آثر ترك فتح باب الجدال والمحاورة، وأتاه بحجة هي غاية في الإفحام فقال له- كما حكى القرآن: فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ.
أى قال إبراهيم لخصمه المغرور: لقد زعمت أنك تملك الإحياء والإماتة كما يملك الله- تعالى- ذلك، ومن شأن هذا الزعم أن يجعلك مشاركا لله- تعالى- في قدرته فإن كان ذلك صحيحا فأنت ترى وغيرك يرى أن الله- تعالى- يأتى بالشمس من جهة المشرق عند شروقها فأنت بها أنت من جهة المغرب في هذا الوقت فماذا كانت نتيجة هذه الحجة الدامغة التي قذفها إبراهيم- عليه السلام- في وجه خصمه؟ كانت نتيجتها- كما حكى القرآن- فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ أى: غلب وقهر، وتحير وانقطع عن حجاجه، واضطرب ولم يستطع أن يتكلم، لأنه فوجئ بما لا يملك دفعه. وفَبُهِتَ فعل ماض جاء على صورة الفعل المبنى للمجهول- كزهى وزكم- والمعنى فيه على البناء للفاعل. وقوله: الَّذِي كَفَرَ هو فاعله. والبهت:
الانقطاع والحيرة، وقرئ بوزن- علم ونصر وكرم.
والفاء في قوله: فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ.. إلخ فصيحة لأنها أفصحت عن جواب لشرط مقدر أى إن كنت كما تزعم أنك تحيى وتميت وأن قدرتك كقدرة الله فإن الله- تعالى- يأتى بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب.
وعبر عن هذا المبهوت بقوله: الَّذِي كَفَرَ للإشعار بأن سبب حيرته واضطرابه هو كفره وعناده.
ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أى لا يهديهم إلى طريق
(١) تفسير الفخر الرازي ج ٧ ص ٢٥ طبعة عبد الرحمن محمد بتصرف وتلخيص.