للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: يُحْيِي وَيُمِيتُ صفة أخرى من صفاته- عز وجل- أى: هو الخالق للحياة لمن شاء أن يحييه، وهو الخالق للموت لمن أراد أن يميته.

وهذه الجملة خبر لمبتدأ محذوف، وهي في الوقت نفسه بدل اشتمال مما قبلها إذ الإحياء والإماتة، مما يشتمل عليه ملك السموات والأرض.

وخص- سبحانه- هاتين الصفتين بالذكر، لأنه هو المتفرد بهما، ولا يستطيع أحد أن يدعى أن له عملا فيهما، ومن ادعى ذلك كانت دعواه من قبيل المغالطة والمجادلة بالباطل، إذ الموجد الحقيقي لهما هو الله- عز وجل- وما سواه فهو سبب لهما.

وقوله- تعالى-: وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ تذييل مؤكد لما قبله. أى: وهو- سبحانه- على كل شيء من الأشياء التي من جملتها ما ذكر- قدير على إيجادها أو إعدامها.

ثم ذكر- سبحانه- صفات أخرى من صفاته الجليلة فقال: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ، وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.

أى: هو- سبحانه- الأول والسابق على جميع الموجودات، إذ هو موجدها ومحدثها ابتداء. فهو موجود قبل كل شيء وجودا لا حد ولا وقت لبدايته.

وَالْآخِرُ أى: الباقي بعد هلاك وفناء جميع الموجودات، كما قال- تعالى-:

كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ.

وآثر لفظ الْآخِرُ على لفظ الباقي ليتم الطباق بين الوصفين المتقابلين ...

وهو الظَّاهِرُ أى: الظاهر وجوده عن طريق مخلوقاته التي أوجدها بقدرته إذ من المعروف عند كل عاقل أن كل مخلوق لا بد له من خالق، وكل موجود لا بد له من موجد.

فلفظ الظَّاهِرُ مشتق من الظهور الذي هو ضد الخفاء، والمراد به هنا ظهور الأدلة العقلية والنقلية على وجوده ووحدانيته وقدرته وعلمه.

ويجوز أن يكون مشتقا من الظهور، بمعنى الغلبة والعلو على الغير، كما في قوله- تعالى-: إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ ...

وعليه يكون المعنى: وهو الغالب العالي على كل شيء.

وهو الْباطِنُ من البطون بمعنى الخفاء والاستتار، أى: وهو- سبحانه- المحتجب يكنه ذاته عن أن تدركه الأبصار، أو أن تحيط بحقيقة ذاته العقول، كما قال- تعالى-

<<  <  ج: ص:  >  >>