للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلوبهم، فلما طال عليهم الزمان، غلبهم الجفاء والقسوة، واختلفوا وأحدثوا ما أحدثوا من التحريف وغيره.

فإن قلت: ما معنى لذكر الله وما نزل من الحق؟ قلت: يجوز أن يراد بالذكر وبما نزل من الحق القرآن، لأنه جامع للأمرين: الذكر والموعظة وأنه حق نازل من السماء.

وأن يراد خشوعها إذا ذكر الله. وإذا تلى القرآن، كقوله- تعالى-: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ. وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً «١» .

والآية الكريمة تشير إلى أن الإهمال لذكر الله، والاسترسال في الشهوات كل ذلك يؤدى إلى فسوة القلوب، وإلى الفسوق عن أمر الله- تعالى-.

ولذا وجدنا كثيرا من الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، تحض على الإكثار من ذكر الله- تعالى- قال- سبحانه-: وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ، أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً.

وفي الحديث الشريف: يقول صلى الله عليه وسلم: «لا يقعد قوم يذكرون الله- تعالى- إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم فيمن عنده» .

ولقد كان سماع الآية الكريمة، بتدبر وتفكر وخشوع، على رأس الأسباب التي أدت إلى توبة بعض العصاة توبة صادقة نصوحا.

فهذا هو الفضل بن عياض يذهب ليلا لارتكاب ما نهى الله عنه، فيسمع قارئا يقرأ هذه الآية، فيرتجف ويعود أدراجه وهو يقول: بلى والله قد آن أوان الخشوع لذكر الله.. اللهم إنى تبت إليك، وجعلت توبتي إليك جوار بيتك الحرام «٢» .

ثم وجه- سبحانه- خطابه إلى المؤمنين فقال: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها، قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ.

وافتتاح الآية بقوله- تعالى-: اعْلَمُوا. يؤذن بأن ما سيلقى على مسامعهم من توجيهات، جدير بالانتباه إلى مضمونه، وإلى الامتثال لما اشتمل عليه من أمر أو نهى.

وليس المقصود من الآية إخبار المؤمنين بأن الله- تعالى- قادر على إحياء الأرض بعد موتها، فذلك أمر يعتقدونه، ولا يتم إيمانهم إلا به.

وإنما المقصود من هذه الآية الكريمة، بيان أن المواظبة على ذكر الله- تعالى- وعلى تلاوة


(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٦٤.
(٢) تفسير القرطبي ج ١٧ ص ٢٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>