وشبه حال الدنيا بسرعة تقضّيها، مع قلة جدواها، بنبات أنبته الغيث فاستوى واكتمل، وأعجب به الكفار الجاحدون لنعمة الله، فيما رزقهم من الغيث، والنبات.. فبعث عليه العاهة فهاج واصفر وصار حطاما «١» .
ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة ببيان عظم الآخرة، وهوان الدنيا فقال: وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ أى: لمن كفر بالله- تعالى- وفسق عن أمره.
وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ أى: لمن آمن بالله- تعالى- واتبع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وحافظ على أداء ما كلف به بإخلاص وحسن اقتداء.
وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ أى: وما أحوال الحياة الدنيا وما اشتملت عليه من شهوات، إلا متاع زائل، لا يقدم عليه، ولا يتشبع به إلا من خدع بزخرفه، واغتر بمظهره.
فالمراد بالغرور: الخديعة، مصدر غره. أى: خدعه وأطمعه بالباطل.
ثم أمرهم- سبحانه- بالمسارعة الى ما يسعدهم، بعد أن بين لهم حال الحياة الدنيا فقال: سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ.
وقوله- تعالى- سابِقُوا من المسابقة وهي محاولة أن يسبق الإنسان غيره.
ومِنْ في قوله مِنْ رَبِّكُمْ ابتدائية، والجار والمجرور صفة المغفرة.
أى: سارعوا- أيها المؤمنون- مسارعة السابقين لغيرهم، إلى مغفرة عظيمة كائنة من ربكم.
فالتعبير بقوله: سابِقُوا لإلهاب الحماس وحض النفوس إلى الاستجابة لما أمروا به، حتى لكأنهم في حالة مسابقة يحرص كل قرين فيها إلى أن يسبق قرينه.
وقوله: وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ... معطوف على المغفرة. أى:
سابقوا غيركم- أيها المؤمنون- إلى مغفرة عظيمة من ربكم، وإلى جنة كريمة هذه الجنة عرضها وسعتها ورحابتها.. كسعة السماء والأرض.
وهذه الجنة قد أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ إيمانا حقا، جعلهم لا يقصرون في أداء واجب من الواجبات التي كلفهم- سبحانه- بها.
قال الإمام الفخر الرازي ما ملخصه: في كون الجنة عرضها كعرض السماء والأرض وجوه:.
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٦٥.