للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الآلوسى: «والقيام بالقسط» أى: بالعدل، يشمل التسوية في أمور التعامل باستعمال الميزان، وفي أمور المعاد باحتذاء الكتاب، وهو- أى: القسط- لفظ جامع مشتمل على جميع ما ينبغي الاتصاف به، معاشا ومعادا «١» .

وقوله- تعالى-: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ معطوف على ما قبله.

والمراد بإنزال الحديد: خلقه وإيجاده. وتهيئته للناس، والإنعام به عليهم، كما في قوله- سبحانه- وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ «٢» .

والمراد بالبأس الشديد: القوة الشديدة التي تؤدى إلى القتل وإلحاق الضرر بمن توجه إليه، أى: لقد أرسلنا رسلنا بالأدلة الدالة على صدقهم، وأنزلنا معهم ما يرشد الناس إلى صلاحهم.

وأوجدنا الحديد، وأنعمنا به عليكم، ليكون قوة شديدة لكم في الدفاع عن أنفسكم، وفي تأديب أعدائكم، وليكون كذلك مصدر منفعة لكم في مصالحكم وفي شئون حياتكم.

فمن الحديد تكون السيوف وآلات الحرب.. ومنه- ومعه غيره- تتكون القصور الفارهة، والمبانى العالية الواسعة، والمصانع النافعة.. وآلات الزراعة والتجارة.

فالآية الكريمة تلفت أنظار الناس إلى سنة من سنن الله- تعالى- قد أرسل الرسل وزودهم بالهدايات السماوية التي تهدى الناس إلى ما يسعدهم.. وزودهم- أيضا- بالقوة المادية التي تحمى الحق الذي جاءوا به وترد كيد الكائدين له في نحورهم، وترهب كل من يحاول الاعتداء عليه، كما قال- تعالى-: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ، تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ «٣» .

ورحم الله الإمام ابن كثير فقد قال عند تفسيره لهذه الآية: ما ملخصه: أى: وجعلنا الحديد رادعا لمن أبى الحق، وعانده بعد قيام الحجة عليه، ولهذا أقام الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاث عشرة سنة، تنزل عليه السور المكية، لبيان أن دين الله حق.

فلما قامت الحجة على من خالفه، شرع الله القتال بعد الهجرة، حماية للحق، وأمرهم بضرب رقاب من عاند الحق وكذبه.


(١) تفسير الآلوسى ج ٢٧ ص ١٨٨.
(٢) سورة الزمر الآية ٦.
(٣) سورة الأنفال الآية ٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>