للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: كُبِتُوا من الكبت بمعنى الخزي والذل، يقال: كبت الله العدو كبتا- من باب ضرب- إذا أهانه وأذله وأخزاه.

قال الجمل: والذين يحادون الله هم الكافرون، وهذه الآية وردت في غزوة الأحزاب.

والمقصود منها البشارة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، بأن أعداءهم المتحزبين القادمين عليهم، سيصيبهم الكبت والذل، وسيتفرق جمعهم.. «١» .

والمعنى: إن الذين يحاربون دين الإسلام الذي شرعه الله- تعالى-. وجاء به رسوله صلى الله عليه وسلم كُبِتُوا وأصابهم الخزي والذل كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من أعداء الحق.

وأوثر هنا الفعل يُحَادُّونَ لوقوعه عقب الكلام عن حدود الله- تعالى- في قوله- عز وجل- وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم.

وقوله- تعالى-: كُبِتُوا بمعنى سيكبتون، وعبر عن ذلك بالماضي، للإشعار بتحقق الذل والخسران، لأولئك المتحزبين الذين جمعوا جموعهم لمحاربة الله ورسوله.

وقد حقق الله- تعالى- وعده، إذ ردهم بغيظهم دون أن ينالوا خيرا.

وجملة: وَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ ... حال من الضمير في كُبِتُوا.. أى: كبتوا لمجادلتهم للحق، والحال أنا قد أنزلنا آيات واضحات، تدل على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من عند ربه، وتشهد بأن أعداءه على الباطل والضلال.

وَلِلْكافِرِينَ الذين أعرضوا عن دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وحاربوها عَذابٌ مُهِينٌ أى عذاب يهينهم ويذلهم ويخزيهم.

وقوله- تعالى-: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً يصح أن يكون متعلقا بقوله: مُهِينٌ كما يصح أن يكون منصوبا فعل مقدر.

أى: اذكر- أيها العاقل- لتتعظ وتعتبر، يوم يبعث الله- تعالى- هؤلاء الكافرين جميعا من قبورهم، فينبئهم ويخبرهم بما عملوا من أعمال سيئة.

والمراد بالإنباء في قوله: فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا المجازاة والمحاسبة وإنزال حكمه بهم.

وجملة: أَحْصاهُ اللَّهُ مستأنفة، لأنها بمنزلة الجواب عما قبلها، فكأن سائلا سأل وقال: كيف ينبئهم الله بأعمالهم؟ فكان الجواب: أحصى الله- تعالى- عليهم عملهم، وسجله عليهم تسجيلا تاما.


(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٣٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>