للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنهم إذا علموا أن قرب الأغنياء من الرسول صلى الله عليه وسلم ومناجاتهم له، تسبقها الصدقة، لم يضجروا.

ومنها: عدم شغل الرسول صلى الله عليه وسلم بما لا يكون مهما من الأمور، فيتفرغ للرسالة. فإن الناس وقد جبلوا على الشح بالمال، يقتصدون في المناجاة التي تسبقها الصدقة.

ومنها: تمييز محب الدنيا من محب الآخرة، فإن المال محك الدواعي «١» .

ثم بين- سبحانه- جانبا من مظاهر لطفه بعباده فقال: أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ.

الإشفاق معناه: أن يتوقع الإنسان عدم حصوله على ما يريده والمراد به هنا: الخوف.

والاستفهام مستعمل فيما يشبه اللوم والعتاب، لتخلف بعضهم عن مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم بسبب تقديم الصدقة.

و «إذ» في قوله: فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا ظرفية مفيدة للتعليل.

والمعنى: أخفتم- أيها المؤمنون- أن تقدموا قبل مناجاتكم للرسول صلى الله عليه وسلم صدقة فيصيبكم بسبب ذلك الفقر، إذا ما واظبتم على ذلك.

فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ أى: فحين لم تفعلوا ما كلفناكم به من تقديم الصدقة قبل مناجاتكم للرسول صلى الله عليه وسلم، وتاب الله- تعالى- عليكم، بأن رخص لكم في هذه المناجاة بدون تقديم صدقة، وخفف عنكم ما كان قد كلفكم به- سبحانه- والفاء في قوله:

فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ. وَآتُوا الزَّكاةَ، وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ معطوفة على كلام محذوف.

أى: فحين خففنا عنكم الصدقة- بفضلنا ورحمتنا- فداوموا على إقامة الصلاة، وعلى إعطاء الزكاة لمستحقيها، وأطيعوا الله ورسوله، في كل ما أمركم به أو نهاكم عنه.

واعلموا أن الله- تعالى- خبير بما تعملون، ولا يخفى عليه شيء من أقوالكم أو أفعالكم، وسيجازى الذين أساءوا بما عملوا، ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى.

وقد ذكر المفسرون أن هذه الآية ناسخة للتي قبلها، لأنها أسقطت وجوب تقديم الصدقة الذي أمرت به الآية السابقة.

وقد لخص الإمام الآلوسى كلام العلماء في هذه المسألة تلخيصا حسنا فقال: «واختلف في أن الأمر للندب أو للوجوب، لكنه نسخ بقوله- تعالى-: أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا ...


(١) تفسير آيات الأحكام ج ٤ ص ١٣١ للشيخ محمد على السائس.

<<  <  ج: ص:  >  >>