للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إنه- تعالى- وصفهم بأمور، أولها: أنهم فقراء، ثانيها: أنهم مهاجرون وثالثها:

أنهم أخرجوا من ديارهم وأموالهم، يعنى أن الكفار أجبروهم على الخروج ... ورابعها: أنهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا، والمراد بالفضل ثواب الجنة، وبالرضوان: قوله:

وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ.

وخامسها: قوله: وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أى: بأنفسهم وأموالهم.

وسادسها: قوله: أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ يعنى أنهم لما هجروا لذّات الدنيا وتحملوا شدائدها لأجل الدين، ظهر صدقهم في دينهم.. «١» .

فأنت ترى أن الله- تعالى- قد وصف المهاجرين في سبيله، بجملة من المناقب الحميدة.

التي استحقوا بسببها الفلاح والفوز برضوان الله.

ثم مدح- سبحانه- بعد ذلك الأنصار، الذين يحبون من هاجر إليهم فقال: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ، يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ.

والجملة الكريمة معطوفة على الْمُهاجِرِينَ أو مبتدأ وخبره: يُحِبُّونَ والتبوؤ:

النزول في المكان، ومنه المباءة للمنزل الذي ينزل فيه الإنسان.

والمراد بالدار: المدينة المنورة، وأل للعهد. أى: الدار المعهودة المعروفة وهي دار الهجرة.

وقوله: وَالْإِيمانَ منصوب بفعل مقدر. أى: وأخلصوا الإيمان.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما معنى عطف الإيمان على الدار، ولا يقال: تبوأوا الإيمان؟ ..

قلت معناه: تبوأوا الدار وأخلصوا الإيمان. كقوله: علفتها تبنا وماء باردا.

أى: وجعلوا الإيمان مستقرا ومتوطنا لهم، لتمكنهم منه، واستقامتهم عليه، كما جعلوا المدينة كذلك.

أو أراد: دار الهجرة ودار الإيمان، فأقام لام التعريف في الدار مقام المضاف إليه، وحذف المضاف من دار الإيمان، ووضع المضاف إليه مقامه..

أو سمى المدينة- لأنها دار الهجرة، ومكان ظهور الإيمان- بالإيمان.. «٢» .

وقوله: مِنْ قَبْلِهِمْ أى: من قبل المهاجرين، وهو متعلق بقوله تَبَوَّؤُا.


(١) راجع تفسير الفخر الرازي ج ٢٩ ص ٢٨٧.
(٢) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>