للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل هم المؤمنون بعد الفريقين إلى يوم القيامة، فالمجىء إما إلى الوجود أو إلى الإيمان وضمير مِنْ بَعْدِهِمْ للفريقين: المهاجرين والأنصار.

وهذا هو الذي يدل عليه كلام عمر- رضى الله عنه- وكلام كثير من السلف كالصريح فيه، فالآية قد استوعبت جميع المؤمنين.. «١» .

ويبدو لنا أن هذا الرأى الثاني، وهو كون الذين جاءوا من بعدهم يشمل المؤمنين الصادقين جميعا، أقرب إلى الصواب، لأنهم هم التابعون بإحسان للمهاجرين والأنصار إلى يوم القيامة، كما قال- تعالى-: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ... «٢» .

وعليه يكون المعنى: والذين جاءوا من بعد المهاجرين والأنصار، واتبعوهم بإحسان إلى يوم القيامة يَقُولُونَ على سبيل الدعاء لأنفسهم ولإخوانهم في العقيدة، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا

أى: يا ربنا اغفر لنا ذنوبنا، واغفر، لإخواننا في الدين الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ فهم أسبق منا إلى الخير والفضل.. وَلا تَجْعَلْ يا ربنا فِي قُلُوبِنا غِلًّا أى: حسدا وحقدا لِلَّذِينَ آمَنُوا أى: يا ربنا لا تجعل في قلوبنا أى غل أو حسد لإخواننا المؤمنين جميعا.

رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ أى: يا ربنا إنك شديد الرأفة بعبادك واسع الرحمة بهم.

وقد أخذ العلماء من هذه الآية الكريمة، أن من حق الصحابة- رضى الله عنهم- على من جاءوا بعدهم، أن يدعوا لهم، وأن ينزلوهم في قلوبهم منزلة الاحترام والتبجيل والتكريم..

ورحم الله الإمام القرطبي فقد أفاض في بيان هذا المعنى، فقال ما ملخصه: قوله- تعالى-: وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ ... يعنى التابعين، ومن دخل في الإسلام إلى يوم القيامة.

قال ابن أبى ليلى: الناس على ثلاثة منازل: المهاجرون، والذين تبوأوا الدار والإيمان، والذين جاءوا من بعدهم، فاجتهد ألا تخرج من هذه المنازل.

وهذه الآية دليل على وجوب محبة الصحابة..

وقال الإمام الرازي: واعلم أن هذه الآيات قد استوعبت جميع المؤمنين لأنهم إما المهاجرون، أو الأنصار، أو الذين جاءوا من بعدهم، وبين أن من شأن من جاء من بعد


(١) تفسير الآلوسى ج ٢٨ ص ٥٤.
(٢) سورة التوبة الآية ١٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>