والمعنى: يا أيها المؤمنون لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى فيكون مثلكم كمثل المنافق الذي ينفق ماله من أجل الرياء لا من أجل رضا الله، وإن مثل هذا المنافق في انكشاف أمره وعدم انتفاعه بما ينفقه رياء وحبا للظهور كمثل حجر أملس لا ينبت شيئا ولكن عليه قليل من التراب الموهم للناظر إليه أنه منتج فنزل المطر الشديد فأزال ما عليه من تراب، فانكشف حقيقته وتبين للناظر إليه أنه حجر أملس صلد لا يصلح لإنبات أى شيء عليه.
فالتشبيه في الجملة الكريمة بين الذي ينفق ماله رياء وبين الحجر الكبير الأملس الذي عليه قدر رقيق من التراب ستر حاله، ثم ينزل المطر فيزيل التراب وتنكشف حقيقته ويراه الرائي عاريا من أى شيء يستره. وكذلك المنافق المرائى في إنفاقه يتظاهر بمظهر السخاء أمام الناس ثم لا يلبث أن ينكشف أمره لأن ثوب الرياء يشف دائما عما تحته، وإن لم يكشفه فإن الله كاشفه.
ومن المفسرين من يرى أن التشبيه في الجملة الكريمة بين المنفق الذي يبطل صدقته بالمن والأذى وبين الحجر الأملس، وأن الضمير في قوله: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ يعود إلى هذا المبطل لصدقته بالمن والأذى. فيكون المعنى: لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى فيكون مثلكم كمثل الحجر الأملس الذي عليه تراب كان يرجى أن يكون منبتا للزرع فنزل المطر فأزال التراب فبطل إنتاجه، فالمن والأذى يبطلان الصدقات ويزيلان أثرها النافع، كما يزيل المطر التراب الذي يؤمل منه الإنبات من فوق الحجر الأملس.
والذي نراه أن عودة الضمير في قوله: فَمَثَلُهُ على الذي ينفق ماله رثاء الناس أظهر لأنه أقرب مذكور، ولأن التشبيه في قوله: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ قد جاء بلفظ المفرد وهو المناسب للذي ينفق ماله رثاء الناس لأنه مفرد مثله، بخلاف قوله: لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى فإن الضمير فيه بلفظ الجمع، فمن الأولى أن يعود الضمير في قوله: فَمَثَلُهُ إلى المرائى لتوافقهما في الأفراد.
ثم قال- تعالى-: لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا أى أن الذين يبطلون صدقاتهم بالمن والأذى، والذين يتصدقون رياء ومفاخرة لا يقدرون على تحصيل شيء من ثواب ما عملوا لأن ما صاحب أعمالهم من رياء ومن أذى محق بركتها، وأذهب ثمرتها، وأزال ثوابها.
أو المعنى: أن أولئك المنانين والمرائين ليس عندهم قدرة على شيء من المال الذي بين أيديهم وإنما هذا المال ملك لله وهو- سبحانه- الذي أنعم به عليهم، فعليهم أن يشكروه على هذه النعمة، وأن ينفقوه بدون من أو أذى أو مراءاة، حتى يظفروا بحسن المثوبة منه- سبحانه-.
ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ أى لا يهديهم إلى ما ينفعهم لأنهم آثروا الكفر على الإيمان.