ومنها ما وقع في أعقاب فتح مكة، فقد جاء إليه صلى الله عليه وسلم بعد فتحها نساء من أهلها ليبايعنه على الإسلام.
قال الآلوسى: والمبايعة وقعت غير مرة، ووقعت في مكة بعد الفتح، وفي المدينة.
وممن بايعنه صلى الله عليه وسلم في مكة، هند بنت عتبة، زوج أبى سفيان.. فقرأ عليهن صلى الله عليه وسلم الآية، فلما قال. وَلا يَسْرِقْنَ قالت: والله إنى لأصيب الهنة من مال أبى سفيان ولا أدرى أيحل لي ذلك؟ فقال أبو سفيان: ما أصبت من شيء فيما مضى فهو حلال لك..
فلما قرأ صلى الله عليه وسلم وَلا يَزْنِينَ قالت: أو تزنى الحرة؟ ..
فلما قرأ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ قالت: ربيناهم صغارا وقتلتهم كبارا. وفي رواية أنها قالت: قتلت الآباء وتوصينا بالأولاد.
فلما قرأ صلى الله عليه وسلم: وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ قالت: والله إن البهتان لقبيح، ولا يأمر الله- تعالى- إلا بالرشد ومكارم الأخلاق.
فلما قرأ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ قالت: والله ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء.
والتقييد بالمعروف، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يأمر إلا به، للتنبيه على أنه لا يجوز طاعة مخلوق في معصية الخالق.
وتخصيص الأمور المعدودة بالذكر في حقهن، لكثرة وقوعها فيما بينهن «١» .
وقد ذكر الإمام ابن كثير، جملة من الأحاديث التي تدل على أن هذه البيعة قد تمت في أوقات متعددة، وفي أماكن مختلفة، وأنها شملت الرجال والنساء.
ومن هذه الأحاديث ما أخرجه الإمام أحمد عن سلمى بنت قيس- إحدى نساء بنى عدى بن النجار- قالت: جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم نبايعه، في نسوة من الأنصار، فشرط علينا: ألا نشرك بالله شيئا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتى ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه في معروف.. ثم قال صلى الله عليه وسلم «ولا تغششن أزواجكن» . قالت: فبايعناه، ثم انصرفنا.
فقلت لامرأة منهن: ارجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسليه: ما غش أزواجنا؟ فسألته فقال: «تأخذ ماله فتحابى به غيره» .
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٨ ص ٨١.