وجواب الشرط في قوله: إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ محذوف لدلالة ما قبله عليه.
أى: إن كنتم صادقين في دعواكم أنكم أولياء الله من دون الناس فتمنوا الموت.
وافتتحت الآية الكريمة بلفظ قُلْ للاهتمام بشأن التحدي من الرسول صلى الله عليه وسلم لهم، ولبيان أنه أمر من الله- تعالى- وليس للرسول صلى الله عليه وسلم سوى التنفيذ.
وجيء بإن الشرطية المفيدة للشك، مع أنهم قد زعموا أنهم أولياء لله فعلا، للإشعار بأن زعمهم هذا وإن كانوا قد كرروا النطق والتباهي به.. إلا أنه بمنزلة الشيء الذي تلوكه الألسنة، دون أن يكون له أساس من الواقع، فهو لوضوح بطلانه صار بمنزلة الشيء الذي يفترض وقوعه افتراضا على سبيل التوبيخ لهم.
قال الآلوسى ما ملخصه: قوله: قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا أى: تهودوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ أى: أحباء لله، ولم يضف- سبحانه- لفظ أولياء إليه، كما في قوله:
أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ... ليؤذن بالفرق بين مدعى الولاية، ومن يخصه- تعالى- بها.
وقوله: مِنْ دُونِ النَّاسِ ... حال من الضمير الراجع إلى اسم إِنْ أى:
متجاوزين عن الناس.
فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ أى: فتمنوا من الله أن يميتكم وينقلكم من دار البلية إلى محل الكرامة. فإن من أيقن أنه من أهل الجنة أحب أن يخلص إليها من هذه الدنيا التي هي دار كدر وتعب.. «١» .
ثم أخبر- سبحانه- عن واقعهم وعن حالتهم المستقبلة فقال: وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ.
أى: أن هؤلاء اليهود لا يتمنى أحدهم الموت أبدا. بسبب ما قدمته أيديهم من آثام، والله- تعالى- لا تخفى عليه خافية من سيئاتهم واعتداءاتهم وظلمهم بل هو- سبحانه- يسجل ذلك عليهم، ويجازيهم بما يستحقونه من عقاب..
فالآية الكريمة خبر من الله- تعالى- عن اليهود بأنهم يكرهون الموت، ولا يتمنونه، ولا يستطيعون قبول ما تحداهم به صلى الله عليه وسلم من طلبهم تمنى الموت، لعلمهم بأنهم لو أجابوه إلى طلبه، لحل بهم الموت الذي يكرهونه.
وقد صح من عدة طرق عن ابن عباس أنه قال: لو تمنوا الموت لشرق أحدهم بريقه..
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٨ ص ٩٦.