للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة بعتاب يحمل في طياته ثوب التأديب والإرشاد والتأنيب، لمن آثر مطالب الدنيا على مطالب الآخرة فقال- تعالى-: وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً....

قال الإمام ابن كثير ما ملخصه: يعاتب- تبارك وتعالى- على ما كان وقع من الانصراف عن الخطبة يوم الجمعة إلى التجارة، التي قدمت المدينة يومئذ، فقال: وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً....

فقد أخرج الشيخان وغيرهما عن جابر قال: قدمت عير- أى: تجارة- المدينة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة- فخرج الناس، وبقي اثنا عشر رجلا، فنزلت هذه الآية.

وفي رواية عن جابر- أيضا- أنه قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، فقدمت عير إلى المدينة، فابتدرها الناس، حتى لم يبق مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلا، فقال صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، لو تتابعتم حتى لم يبق منكم أحد، لسال بكم الوادي نارا» ونزلت هذه الآية.. «١» .

وفي رواية أن الذين بقوا في المسجد كانوا أربعين، وأن العير كانت لعبد الرحمن بن عوف، وكان قد أصاب أهل المدينة جوع وغلاء سعر ... «٢» .

وفي رواية أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخطب، فقدم دحية الكلبي بتجارة له فتلقاه أهله بالدفوف. فخرج الناس.

و «إذا» في قوله- تعالى-: وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً ... ظرف للزمان الماضي المجرد عن الشرط، لأن هذه الآية نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن انفض عنه من انفض وهو يخطب وقوله: انْفَضُّوا من الانفضاض، بمعنى التفرق. يقال: انفض فلان عن فلان إذا تركه وانصرف عنه، وهو من الفض، بمعنى كسر الشيء والتفريق بين أجزائه.

والضمير في قوله إِلَيْها يعود للتجارة، وكانت عودته إليها دون اللهو، لأن الانفضاض كان لها بالأصالة، والمراد باللهو هنا: فرحهم بمجيء التجارة واستقبالهم لها بالدفوف، لأنهم كانوا في حالة شديدة من الفقر وغلاء الأسعار.

والتعبير بأو يشير إلى أن بعض المنفضين قد انفضوا من أجل التجارة، وأن البعض الآخر قد انفض من أجل اللهو.


(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٨ ص ١٤٩.
(٢) راجع تفسير الآلوسى ج ٢٨ ص ١٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>