للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال: فإن قلت: ما معنى كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ قلت: شبهوا في استنادهم- وما هم إلا أجرام خالية عن الإيمان والخير بالخشب المسندة إلى الحوائط لأن الخشب إذا انتفع به، كان في سقف أو جدار أو غيرهما من مظان الانتفاع، وما دام متروكا فارغا غير منتفع به، أسند إلى الحائط، فشبهوا به في عدم الانتفاع.

ويجوز أن يراد بالخشب المسندة الأصنام المنحوتة من الخشب، المسندة إلى الحيطان، وشبهوا بها في حسن صورهم، وقلة جدواهم، والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم أو لكل من يخاطب.. «١» .

فأنت ترى القرآن الكريم وصفهم بتلك الصفة البديعة في التنفير منهم وعدم الاغترار بمظهرهم لأنهم كما قال القائل:

لا تخدعنك اللحى ولا الصور ... تسعة أعشار من ترى بقر

تراهم كالسحاب منتشرا ... وليس فيه لطالب مطر

في شجر السرو منهم شبه ... له رواء وماله ثمر

ثم وصفهم- سبحانه- بعد ذلك بالجبن والخور فقال: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ....

والصيحة: المرة من الصياح، والمراد بها ما ينذر ويخيف أى: يظنون لجبن قلوبهم ولسوء نواياهم، وخبث نفوسهم- أن كل صوت ينادى به المنادى، لنشدان ضالة، أو انفلات دابة ... إنما هو واقع عليهم ضار بهم مهلك لهم..

قال الآلوسى: قوله: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ أى: واقعة عليهم، ضارة لهم، لجبنهم وهلعهم.

وقيل: كانوا على وجل من أن ينزل الله- تعالى- فيهم ما يهتك أستارهم، ويبيح دماءهم وأموالهم.

والوقف على «عليهم» الواقع مفعولا ثانيا ل «يحسبون» وهو وقف تام.

وقوله- تعالى-: هُمُ الْعَدُوُّ استئناف. أى: هم الكاملون في العداوة، والراسخون فيها، فإن أعدى الأعداء، العدو المداجى.

فَاحْذَرْهُمْ لكونهم أعدى الأعداء، ولا تغترن بظواهرهم.. «٢» .


(١) راجع تفسير الكشاف ج ٤ ص ٥٤٠.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٢٨ ص ١١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>