للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا الأسلوب يرد كثيرا في القرآن الكريم، ومنه قوله- تعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ.. أى: إذا أردتم القيام للصلاة فاغسلوا.

والمراد بالنساء هنا: الزوجات المدخول بهن، لأن غير المدخول بهن خرجن بقوله- تعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ، فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها «١» .

واللام في قوله- سبحانه-: فطلقوهن لعدتهن، هي التي تسمى بلام التوقيت، وهي بمعنى عند، أو بمعنى في، كما يقول القائل: كتبت هذا الكتاب لعشر مضين من شهر كذا.

ومنه قوله- تعالى-: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ..: أى عند أو في وقت دلوكها.

وقوله: وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ من الإحصاء بمعنى العد والضبط، وهو مشتق من الحصى، وهي من صغار الحجارة، لأن العرب كانوا إذا كثر عدد الشيء، جعلوا لكل واحد من المعدود حصاة، ثم عدوا مجموع ذلك الحصى.

والمراد به هنا: شدة الضبط، والعناية بشأن العد، حتى لا يحصل خطأ في وقت العدة.

والمعنى: يا أيها النبي، أخبر المؤمنين ومرهم، إذا أرادوا تطليق نسائهم المدخول بهن، من المعتدات بالحيض. فعليهم أن يطلقوهن في وقت عدتهن.

أى: في طهر لم يجامعوهن فيه، ثم يتركوهن حتى تنقضي عدتهن.

وعليهم كذلك أن يضبطوا أيام العدة ضبطا تاما حتى لا يقع في شأنها خطأ أو لبس.

قال الإمام ابن كثير ما ملخصه: خوطب النبي صلى الله عليه وسلم أولا تشريفا وتكريما، ثم خاطب الأمة تبعا، فقال: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ....

روى ابن أبى حاتم عن أنس قال: طلق النبي صلى الله عليه وسلم حفصة، فأتت أهلها، فأنزل الله- تعالى- هذه الآية. وقيل له: راجعها فإنها صوامة قوامة، وهي من أزواجك في الجنة.

وروى البخاري أن عبد الله بن عمر، طلق امرأة له وهي حائض، فذكر عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، فتغيظ صلى الله عليه وسلم ثم قال: فليراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض فتطهر، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرا قبل أن يمسها، فتلك العدة التي أمر الله- تعالى-.


(١) سورة الأحزاب: الآية ٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>