للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال بعض العلماء: والذي تخلص لي أن حكمة السكنى للمطلقة، أنها حفظ للأعراض، فإن المطلقة يكثر التفات العيون لها، وقد يتسرب سوء الظن إليها، فيكثر الاختلاف عليها، ولا تجد ذا عصمة يذب عنها، فلذلك شرعت لها السكنى، فلا تخرج إلا لحاجياتها الضرورية..

ومن الحكم- أيضا- في ذلك أن المطلقة قد لا تجد مسكنا، لأن غالب النساء لم تكن لهن أموال، وإنما هن عيال على الرجال..

ويزاد في المطلقة الرجعية، قصد استبقاء الصلة بينها وبين مطلقها، لعله يثوب إليه رشده فيراجعها..

فهذا مجموع علل، فإذا تخلفت واحدة منها لم يتخلف الحكم، لأن الحكم المعلل بعلتين فأكثر لا يبطله سقوط بعضها.. «١» .

واسم الإشارة في قوله: وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يعود إلى الأحكام التي سبق الحديث عنها، والحدود: جمع حد، وهو ما لا يصح تجاوزه أو الخروج عنه.

أى: وتلك الأحكام التي بيناها لكم، هي حدود الله- تعالى- التي لا يصح لكم تعديها أو تجاوزها، وإنما يجب عليكم الوقوف عندها، وتنفيذ ما اشتملت عليه من آداب وهدايات.

ثم بين- سبحانه- سوء عاقبة من يتجاوز حدوده فقال: وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ أى: ومن يتجاوز حدود الله التي حدها لعباده، بأن أخل بشيء منها، فقد حمل نفسه وزرا، وأكسبها إثما، وعرضها للعقوبة والعذاب.

وقوله- تعالى-: لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً ترغيب في امتثال الأحكام السابقة، بعد أن سلك في شأنها مسلك الترهيب من مخالفتها، ودعوة إلى فتح باب المصالحة بين الرجل وزوجه، وعدم السير في طريق المفارقة حتى النهاية..

والخطاب لكل من يصلح له، أو هو للمتعدى بطريق الالتفات، والجملة الكريمة مستأنفة، مسوقة لتعليل مضمون ما قبلها، وتفصيل لأحواله.

أى: اسلك- أيها المسلم- الطريق الذي أرشدناك إليه في حياتك الزوجية، وامتثل ما أمرناك به، فلا تطلق امرأتك وهي حائض، ولا تخرجها من بيتها قبل تمام عدتها ... ولا تقفل باب المصالحة بينك وبينها، بل اجعل باب المصالحة مفتوحا، فإنك لا تدرى لعل الله- تعالى- يحدث بعد ذلك النزاع الذي نشب بينك وبين زوجك أمرا نافعا لك ولها، بأن يحول البغض إلى حب، والخصام إلى وفاق، والغضب إلى رضا..


(١) تفسير التحرير والتنوير ج ٢٨ ص ٣٠٤ لفضيلة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور.

<<  <  ج: ص:  >  >>