للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعليكم- أيها الآباء- أن تعطوا بسخاء كل من يستحقون العطاء، وعلى رأسهم الأمهات لأولادكم، اللائي يقمن بإرضاعهم بعد مفارقتكم لهن، وأن لا تبخلوا عليهن في أجرة الرضاع، أو في النفقة على الأولاد.

ثم قال- تعالى-: وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ ... أى: ومن كان رزقه ضيقا وليس واسعا.. فلينفق على قدر ماله ورزقه وطاقته، مما آتاه الله- تعالى- من رزق.

وقوله: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها ... تعليل لما قبله، أى: فلينفق كل إنسان على نفسه وعلى زوجه، وعلى أولاده، وعلى أقاربه، وعلى غيرهم. على حسب حاله، فإن كان موسرا أنفق على حسب يسره، وإن كان معسرا أنفق على حسب عسره.. لأن الله- تعالى- لا يكلف نفسا إلا بقدر ما أعطاها من طاقة أو رزق..

روى ابن جرير أن عمر بن الخطاب سأل عن أبى عبيدة فقيل له: إنه يلبس الغليظ من الثياب، ويأكل الخشن من الطعام، فبعث إليه بألف دينار، وقال للرسول: انظر ماذا يصنع إذا أخذها: فلما أخذها، ما لبث أن لبس ألين الثياب، وأكل أطيب الطعام.. فجاء الرسول فأخبره فقال عمر: رحم الله أبا عبيدة، لقد عمل بهذه الآية: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ، وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ ... «١» .

ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة ببشارة لمن يتبع أمره فقال: سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً أى: سيجعل الله- تعالى- بفضله وإحسانه- اليسر بعد العسر، والسعة بعد الضيق، والغنى بعد الفقر.. لمن شاء من عباده، لأنه- سبحانه- هو الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، وهو بعباده خبير بصير.

قال الإمام ابن كثير: وقد روى الإمام أحمد عن أبى هريرة قال: دخل رجل على أهله.

فلما رأى ما بهم من الفاقة خرج إلى البرية، فلما رأت امرأته ذلك قامت إلى الرحى فوضعتها، وإلى التنور فسجرته- أى أوقدته-، ثم قالت: اللهم ارزقنا، فنظرت، فإذا الجفنة قد امتلأت..

قال: وذهبت إلى التنور فوجدته ممتلئا، قال: فرجع الزوج فقال لأهله: أأصبتم بعدي شيئا؟ فقالت امرأته: نعم من ربنا..

فذكر الرجل ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: أما إنه لو لم ترفعها، لم تزل تدور إلى يوم القيامة.. «٢» .


(١) تفسير ابن جرير ج ٢٨ ص ١٤٩.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٨ ص ١٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>