تائِباتٍ أى: مقلعات عن الذنوب والمعاصي، وإذا مسهن شيء منها ندمن وتبن إليه- تعالى- توبة صادقة نصوحا.
عابِداتٍ أى: مقبلات على عبادته- تعالى- إقبالا عظيما.
سائِحاتٍ أى: ذاهبات في طاعة الله أى مذهب، من ساح الماء: إذا سال في أنحاء متعددة، وقيل معناه: مهاجرات. وقيل: صائمات. تشبيها لهن بالسائح الذي لا يصحب معه الزاد غالبا فلا يزال ممسكا عن الطعام حتى يجده.
ثَيِّباتٍ جمع ثيب- بوزن سيد- وهي المرأة التي سبق لها الزواج، من ثاب يثوب ثوبا، إذا رجع، وسميت المرأة التي سبق لها الزواج بذلك. لأنها ثابت إلى بيت أبويها بعد زواجها، أو رجعت إلى زوج آخر غير زوجها الأول.
وَأَبْكاراً جمع بكر، وهي الفتاة العذراء التي لم يسبق لها الزواج، وسميت بذلك لأنها لا تزال على أول حالتها التي خلقت عليها.
وهذه الصفات جاءت منصوبة على أنها نعت لقوله أَزْواجاً أو حال.
ولم يعطف بعضها على بعض بالواو، لأجل التنصيص على ثبوت جميع تلك الصفات لكل واحدة منهن.
وعطف- سبحانه- وَأَبْكاراً على ما قبله لتنافى الوصفين، إذ الثيبات لا يوصفن بالأبكار، وكذلك الأبكار لا يوصفن بالثيبات، ولا يجتمع الوصفان في ذات واحدة.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: كيف تكون المبدلات خيرا منهن، ولم يكن على وجه الأرض نساء خير من أمهات المؤمنين؟
قلت: إذا طلقهن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعصيانهن له، وإيذائهن إياه، لم يبقين على تلك الصفة، وكان غيرهن من الموصوفات بهذه الأوصاف مع الطاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والنزول على هداه ورضاه خيرا منهن.
فإن قلت: لم أخليت الصفات كلها من العاطف، ووسط بين الثيبات والأبكار؟ قلت:
لأنهما صفتان متنافيتان لا يجتمعان فيهن اجتماع سائر الصفات فيهن، فلم يكن بد من الواو «١» .
هذا، والمتأمل في هذه الآيات الكريمة يراها ترسم جانبا من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم مع
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٥٦٧.