لإفادة الاختصاص. أى: بيده وحده لا بيد أحد سواه جميع أنواع السلطان والقدرة، والأمر والنهى..
قال الإمام الرازي: وهذه الكلمة تستعمل لتأكيد كونه- تعالى- ملكا ومالكا، تقول:
بيد فلان الأمر والنهى، والحل والعقد. وذكر اليد إنما هو تصوير للإحاطة ولتمام قدرته، لأنها محلها مع التنزه عن الجارحة.. «١» .
وجملة وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ معطوفة على قوله بِيَدِهِ الْمُلْكُ الذي هو صلة الموصول، وذلك لإفادة التعميم بعد التخصيص، لأن الجملة الأولى وهي الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ أفادت عموم تصرفه في سائر الموجودات، وهذه أفادت عموم تصرفه- سبحانه- في سائر الموجودات والمعدومات، إذ بيده- سبحانه- إعدام الموجود، وإيجاد المعدوم.
ثم ساق- سبحانه- بعد ذلك، ما يدل على شمول قدرته، وسمو حكمته، فقال:
الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ...
والموت: صفة وجودية تضاد الحياة. والمراد بخلقه: إيجاده. أو هو عدم الحياة عما هي من شأنه. والمراد بخلقه على هذا المعنى: تقديره أزلا.
واللام في قوله: لِيَبْلُوَكُمْ ... متعلقة بقوله: خَلَقَ. وقوله: لِيَبْلُوَكُمْ بمعنى يختبركم ويمتحنكم ...
وقوله أَيُّكُمْ مبتدأ، وأَحْسَنُ خبره، وعَمَلًا تمييز، والجملة في محل نصب مفعول ثان لقوله لِيَبْلُوَكُمْ.
والمعنى: ومن مظاهر قدرته- سبحانه- التي لا يعجزها شيء، أنه خلق الموت لمن يشاء إماتته، وخلق الحياة لمن يشاء إحياءه، ليعاملكم معاملة من يختبركم ويمتحنكم، أيكم أحسن عملا في الحياة، لكي يجازيكم بما تستحقونه من ثواب..
أو المعنى: خلق الموت والحياة، ليختبركم أيكم أكثر استعدادا للموت، وأسرع إلى طاعة ربه- عز وجل-.
قال القرطبي ما ملخصه: قوله: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ.. قيل: الذي خلقكم للموت والحياة، يعنى: للموت في الدنيا والحياة في الآخرة.
وقدم الموت على الحياة، لأن الموت إلى القهر أقرب.. وقيل: لأنه أقدم، لأن الأشياء في
(١) تفسير الفخر الرازي ج ٨ ص ١٦٩.