للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استقرارهم عليها.. ينسون نعمة الله في تذليلها لهم وتسخيرها. والقرآن يذكرهم هذه النعمة الهائلة، ويبصرهم بها، في هذا التعبير الذي يدرك منه كل أحد، وكل جيل، ما ينكشف له من علم هذه الأرض الذلول..

والله- تعالى- جعل الأرض ذلولا للبشر من حيث جاذبيتها.. ومن حيث سطحها..

ومن حيث تكوينها، ومن حيث إحاطة الهواء بها.. ومن حيث حجمها.. «١» .

وقوله: وَإِلَيْهِ النُّشُورُ معطوف على ما قبله، لبيان أن مصيرهم إليه- تعالى- بعد قضائهم في الأرض المذللة لهم، مدة حياتهم..

أى: وإليه وحده مرجعكم، وبعثكم من قبوركم، بعد أن قضيتم على هذه الأرض، الأجل الذي قدره- سبحانه- لكم.

ثم حذر- سبحانه- من بطشه وعقابه فقال: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ..

والخسف: انقلاب ظاهر السطح من بعض الأرض فيصير باطنا، والباطن ظاهرا..

والمور: شدة الاضطراب والتحرك. يقال: مار الشيء مورا، إذا ارتج واضطرب، والمراد بمن في السماء: الله- عز وجل- بدون تحيز أو تشبيه أو حلول في مكان.

قال الإمام الآلوسى: قوله: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ وهو الله- عز وجل- كما ذهب إليه غير واحد، فقيل على تأويل: من في السماء أمره وقضاؤه، يعنى أنه من التجوز في الإسناد، أو أن فيه مضافا مقدرا، وأصله: من في السماء أمره، فلما حذف وأقيم المضاف إليه مقامه ارتفع واستتر، وقيل على تقدير: خالق من في السماء..

وقيل في بمعنى على، ويراد العلو بالقهر والقدرة..

وأئمة السلف لم يذهبوا إلى غيره- تعالى- والآية عندهم من المتشابه وقد قال صلى الله عليه وسلم آمنوا بمتشابهه ولم يقل أولوه. فهم مؤمنون بأنه- عز وجل- في السماء: على المعنى الذي أراده- سبحانه- مع كمال التنزيه. وحديث الجارية- التي قال لها الرسول صلى الله عليه وسلم أين الله؟ فأشارت إلى السماء- من أقوى الأدلة في هذا الباب. وتأويله بما أول به الخلف، خروج عن دائرة الإنصاف عند ذوى الألباب.. «٢» .


(١) راجع في ظلال القرآن ج ٢٩ ص ١٩٣ نقلا عن كتاب. العلم يدعو للايمان ص ٧٠.
(٢) راجع تفسير الآلوسى ج ٢٩ ص ١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>