ووصف المنافقون بهذه الصفات لأنهم وإن كانت لهم آذان تسمع، وألسنة تنطق، وأعين تبصر، إلا أنهم لا يسمعون خيرا. ولا يتكلمون بما ينفعهم ولا يبصرون مسلكا من مسالك الهداية، ومن كان كذلك كان هو ومن فقد حواسه سواء، فقد صرف الله عنهم عنايته ووكلهم إلى أنفسهم.
ووردت هذه الصفات مجردة من حرف العطف، فلم يقل: صم وبكم وعمى، لما عرف من استعمالات البلغاء. أن تجريد أمثال هذه الأوصاف من حرف العطف يفيد تأكيدها، حيث إن المتكلم قد قصد إلى تقرير كل صفة منها على حدة.
ومعنى فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ، لا يعودون إلى الهدى بعد أن باعوه، أو لا يرجعون عن الضلالة بعد أن اشتروها.
والفاء في قوله- تعالى- فَهُمْ للتفريع أو التسبيب، لأنها توحى بأن عدم رجوعهم عما هم فيه من النفاق متفرع على تلك الآفات، ومسبب عن هذه العاهات.
ثم ساق- سبحانه- المثل الثاني فقال: أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ.
«أو» للتسوية بين الشيئين وهي مفيدة أن التمثيل بأيهما أو بمجموعهما يؤدى إلى المقصود، فهي مانعة خلو مجوزة للجمع بينهما.
و (الصيب) - كسيد- المطر، من الصوب وهو النزول. يقال: صاب صوبا، إذا نزل أو انحدر، سمى به المطر لنزوله، وفي الجملة الكريمة إيجاز بحذف ما دل عليه المقام دلالة واضحة. والتقدير: أو كمثل ذوى صيب. والمعنى أن قصة هؤلاء المنافقين مشبهة بقصة الذي استوقد نارا، أو بقصة ذوى صيب.
والسماء: كل ما علاك من سقف ونحوه، والمراد بها السحاب.
والرعد: الصوت الذي يسمع بسبب اصطدام سحابتين محملتين بشحنتين كهربيتين إحداهما موجبة والأخرى سالبة.
والبرق: هو الضوء الذي يحدث بسبب الاصطدام ذاته.
وإيراد هذه الألفاظ بصفة التنكير للتهويل، ويكون المعنى: أو أن مثل هؤلاء المنافقين كمثل قول نزل بهم المطر من السماء تصحبه ظلمات كأنها سواد الليل، ورعد يصم الآذان، وبرق يخطف الأبصار وصواعق تحرق ما تصيبه.
ثم قال- تعالى-: يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ.