للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والضمير في قوله: يَسْطُرُونَ راجع إلى غير مذكور في الكلام، إلا أنه معلوم للسامعين، لأن ذكر القلم يدل على أن هناك من يكتب به.

ونفى- سبحانه- عنه صلى الله عليه وسلم الجنون بأبلغ أسلوب، لأن المشركين كانوا يصفونه بذلك، قال- تعالى-. وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ، لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ.

قال الآلوسى: قوله: ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ. جواب القسم، والباء الثانية مزيدة لتأكيد النفي. ومجنون خبر ما، والباء الأولى للملابسة، والجار والمجرور في موضع الحال من الضمير في الخبر، والعامل فيها معنى النفي.

والمعنى: انتفى عنك الجنون في حال كونك ملتبسا بنعمة ربك أى: منعما عليك بما أنعم من حصافة الرأى، والنبوة.. «١» .

وفي إضافته صلى الله عليه وسلم إلى الرب- عز وجل- مزيد إشعار بالتسلية والقرب والمحبة.

ومزيد إشعار- أيضا- بنفي ما افتراه الجاهلون من كونه صلى الله عليه وسلم مجنونا، لأن هذه الصفة لا تجتمع في عبد أنعم الله- تعالى- عليه، وقربه، واصطفاه لحمل رسالته وتبليغ دعوته.

ثم بشره- سبحانه- ببشارة ثانية فقال: وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ.

وقوله: مَمْنُونٍ مأخوذ من المن بمعنى القطع، تقول: مننت الحبل، إذا قطعته.

ويصح أن يكون من المن، بمعنى أن يعطى الإنسان غيره عطية ثم يفتخر بها عليه، ومنه قوله- تعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى....

أى: وإن لك- أيها الرسول الكريم- عندنا، لأجرا عظيما لا يعلم مقداره إلا نحن، وهذا الأجر غير مقطوع بل هو متصل ودائم وغير ممنون.

وهذه الجملة الكريمة وما بعدها، معطوفة على جملة جواب القسم، لأنهما من جملة المقسم عليه..

ثم أثنى- سبحانه- عليه بأجمل ثناء وأطيبه فقال: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ.

والخلق- كما يقول الإمام الرازي- ملكة نفسانية، يسهل على المتصف بها الإتيان بالأفعال الجميلة ... و.... «٢» .

والعظيم: الرفيع القدر، الجليل الشأن، السامي المنزلة.


(١) تفسير الآلوسى ج ٢٩ ص ٢٤.
(٢) راجع تفسير الفخر الرازي ج ٨ ص ١٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>