وقوله: مُصْبِحِينَ أى: داخلين في وقت الصباح المبكر.
أى: إنا امتحنا أهل مكة بالبأساء والضراء، كما امتحنا أصحاب البستان الذين كانوا قبلهم، لأنهم أقسموا بالأيمان المغلظة، ليقطعن ثمار هذا البستان في وقت الصباح المبكر.
وَلا يَسْتَثْنُونَ أى: دون أن يجعلوا شيئا- ولو قليلا- من ثمار هذا البستان للمحتاجين، الذين أوجب الله- تعالى- لهم حقوقا في تلك الثمار.
وقيل معنى وَلا يَسْتَثْنُونَ ولم يقولوا إن شاء الله، كما قال- تعالى-: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ....
والجملة الكريمة معطوفة على قوله- تعالى-: لَيَصْرِمُنَّها، وهي في الوقت نفسه مقسم عليه.
أى: أقسموا ليصر منها في وقت الصباح المبكر، وأقسموا كذلك على أن لا يعطوا شيئا منها للفقراء أو المساكين.
ثم بين- سبحانه- ما ترتب على هذا القسم الذي لم يقصد به الخير، وإنما قصد به الشر فقال: فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ. فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ.
والطائف: مأخوذ من الطواف، وهو المشي حول الشيء من كل نواحيه ومنه الطواف حول الكعبة. وأكثر ما يستعمل لفظ الطائف في الشر كما هنا، ومنه قوله- تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ.
وعدى لفظ «طائف» بحرف «على» لتضمينه معنى: تسلط أو نزل. والصريم- كما يقول القرطبي-: الليل المظلم.. أى: احترقت فصارت كالليل الأسود.
وعن ابن عباس: كالرماد الأسود. أو: كالزرع المحصود. فالصريم بمعنى المصروم، أى: المقطوع ما فيه.. «١» .
أى: أقسم هؤلاء الجاحدون على أن لا يعطوا شيئا من جنتهم للمحتاجين، فكانت نتيجة نيتهم السيئة، وعزمهم على الشر.. أن نزل بهذه الحديقة بلاء أحاط بها فأهلكها، فصارت كالشىء المحترق الذي قطعت ثماره، ولم يبق منه شيء ينفع.
ولم يعين- سبحانه- نوع هذا الطائف، أو كيفية نزوله، لأنه لا يتعلق بذكره غرض، وإنما المقصود ما ترتب عليه من آثار توجب الاعتبار.
(١) راجع تفسير القرطبي ج ١٨ ص ٢٤١.