وجملة: «وغدوا على حرد قادرين» حالية. والحرد: القصد. يقال: فلان حرد فلان- من باب ضرب- أى: قصد قصده.
قال الإمام الشوكانى: الحرد يكون بمعنى المنع والقصد.. لأن القاصد إلى الشيء حارد.
يقال: حرد يحرد إذا قصد.. وقال أبو عبيدة: عَلى حَرْدٍ أى: على منع، من قولهم:
حردت الإبل حردا، إذا قلت ألبانها. والحرود من الإبل: القليلة اللبن.. وقال السدى:
عَلى حَرْدٍ: أى: على غضب.. وقال الحسن: على حرد، أى: على حاجة وفاقة.
وقيل: عَلى حَرْدٍ أى: على انفراد. يقال: حرد يحرد حردا، إذا تنحى عن قومه، ونزل منفردا عنهم دون أن يخالطهم..
أى: أن أصحاب الجنة ساروا إليها غدوة، على أمر قد قصدوه وبيتوه.. موقنين أنهم قادرون على تنفيذه، لأنهم قد اتخذوا له جميع وسائله، من الكتمان والتبكير والبعد عن أعين المساكين.
أو: ساروا إليها في الصباح المبكر، وهم ليس معهم أحد من المساكين أو من غيرهم، وهم في الوقت نفسه يعتبرون أنفسهم قادرين على قطع ثمارها، دون أن يشاركهم أحد في تلك الثمار.
ثم صور- سبحانه- حالهم تصويرا بديعا عند ما شاهدوا جنتهم، وقد صارت كالصريم، فقال: فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ.
أى: فحين شاهدوا جنتهم- وهي على تلك الحال العجيبة- قال بعضهم لبعض: إنا لضالون عن طريق جنتنا، تائهون عن الوصول إليها.. لأن هذه الجنة الخاوية على عروشها ليست هي جنتنا التي عهدناها بالأمس القريب، زاخرة بالثمار.
ثم اعترفوا بالحقيقة المرة، بعد أن تأكدوا أن ما أمامهم هي حديقتهم فقالوا: بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ أى: لسنا بضالين عن الطريق إليها، بل الحقيقة أن الله- تعالى- قد حرمنا من ثمارها.. بسبب إصرارنا على حرماننا المساكين من حقوقهم منها.
وهنا تقدم إليهم أوسطهم رأيا، وأعدلهم وأمثلهم تفكيرا.. فقال لهم: أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ.
والاستفهام للتقرير. ولَوْلا حرف تحضيض بمعنى هلا. والتسبيح هنا بمعنى:
الاستغفار والتوبة، وإعطاء كل ذي حق حقه.
أى: قال لهم- أعقلهم وأصلحهم- بعد أن شاهد ما شاهد من أمر الحديقة. قال لهم:
لقد قلت لكم عند ما عزمتم على حرمان المساكين حقوقهم منها.. اتقوا الله ولا تفعلوا ذلك،