أى: إن للذين اتقوا ربهم، وصانوا أنفسهم عما حرمه.. جنات ليس لهم فيها إلا النعيم الخالص، والسرور التام. والخير الذي لا ينقطع ولا يمتنع.
واللام في قوله: لِلْمُتَّقِينَ للاستحقاق، وقال- سبحانه- عِنْدَ رَبِّهِمْ للتشريف والتكريم.
أى: هذه الجنات اختص الرب- عز وجل- بها الذين اتقوه في كل أحوالهم.
وإضافة الجنات إلى النعيم، للإشارة إلى أن النعيم ملازم لها لا يفارقها فلا يكون فيها ما يكون في جنات الدنيا من تغير في الأحوال، فهي تارة مثمرة، وتارة ليست كذلك.
والاستفهام في قوله: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ للنفي والإنكار. والفاء للعطف على مقدر يقتضيه الكلام.
أى: أنحيف في أحكامنا فنجعل الذين أخلصوا لنا العبادة. كالذين أشركوا معنا آلهة أخرى؟ أو نجعل الذين أسلموا وجوههم لنا، كالذين فسقوا عن أمرنا؟
كلا، لن نجعل هؤلاء كهؤلاء، فإن عدالتنا تقتضي التفريق بينهم.
قال الجمل: لما نزلت هذه الآية وهي قوله: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ ... قال كفار مكة للمسلمين إن الله فضلنا عليكم في الدنيا، فلا بد وأن يفضلنا عليكم في الآخرة، فإذا لم يحصل التفضيل، فلا أقل من المساواة فأجابهم الله- تعالى- بقوله: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ «١» .
ثم أضاف- سبحانه- إلى توبيخهم توبيخا آخر فقال: ما لَكُمْ، كَيْفَ تَحْكُمُونَ.
وقوله ما لَكُمْ جملة من مبتدأ وخبر، وهي بمثابة تأنيب آخر لهم وقوله: كَيْفَ تَحْكُمُونَ تجهيل لهم، وتسفيه لعقولهم.
أى: ما الذي حدث لعقولكم، حتى ساويتم بين الأخيار والأشرار والأطهار والفجار، ومن أخلصوا لله عبادتهم، ومن كفروا به؟
ثم انتقل- سبحانه- من توبيخهم على جهلهم، إلى توبيخهم على كذبهم فقال: أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ. إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ.
وأَمْ هنا وما بعدها للإضراب الانتقالى، وهي بمعنى بل، والضمير في قوله فِيهِ يعود على الكتاب.
وقوله: تَدْرُسُونَ أى: تقرأون بعناية وتفكير.
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٣٨٨.