وقوله: مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ أى: من حيث لا يعلمون أنه استدراج، بل يزعمون أن ذلك إيثار لهم، وتفضل على المؤمنين مع أنه سبب هلاكهم.
وقوله: وَأُمْلِي لَهُمْ أى: وأمهلهم ليزدادوا إثما. إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ أى: لا يدفع بشيء.
وتسمية ذلك كيدا- وهو ضرب من الاحتيال- لكونه في صورته، حيث إنه- سبحانه- يفعل معهم ما هو نفع لهم ظاهرا، ومراده- عز وجل- به الضرر، لما علم من خبث جبلتهم، وتماديهم في الكفر والجحود.. «١» .
ثم عادت السورة الكريمة إلى إبطال معاذيرهم، بأسلوب الاستفهام الإنكارى، الذي تكرر فيها كثيرا، فقال- تعالى-: أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ. أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ؟
والمغرم والغرامة: ما يفرض على المرء أداؤه من مال وغيره.
والمثقلون: جمع مثقل، وهو من أثقلته الديون، حتى صار في حالة عجز عن أدائها.
والمراد بالغيب: علم الغيب، وهو ما غاب عن علم البشر، فالكلام على حذف مضاف.
والمعنى: بل أتسألهم- يا محمد- على دعوتك لهم إلى الحق والخير أَجْراً دنيويا فَهُمْ من أجل ذلك مثقلون بالديون المالية، وعاجزون عن دفعها لك.. فترتب على هذا الغرم الثقيل. أن أعرضوا عن دعوتك، وتجنبوا الدخول في دينك؟.
أم أن هؤلاء القوم عندهم علم الغيب، بأن يكونوا قد اطلعوا على ما سطرناه في اللوح المحفوظ من أمور غيبية لا يعلمها أحد سوانا.. فهم يكتبون ذلك، ثم يصدرون أحكامهم.
ويجادلونك في شأنها. وكأنهم قد اطلعوا على بواطن الأمور!.
الحق الذي لا حق سواه، أن هؤلاء القوم، أنت لم تطلب منهم أجرا على دعوتك إياهم إلى إخلاص العبادة لنا، ولا علم عندهم بشيء من الغيوب التي لا يعلمها أحد سوانا، وكل ما يزعمونه في هذا الشأن فهو ضرب من الكذب والجهل..
وما دام الأمر كما ذكرنا لك فَاصْبِرْ أيها الرسول الكريم- لحكم ربك، ولقضائه فيك وفيهم، وسر في طريقك التي كلفناك به، وهو تبليغ رسالتنا إلى الناس.. وستكون العاقبة لك ولأتباعك.
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٩ ص ٣٦.