وقوله- سبحانه-: قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا.. كلام مستأنف. لأن ما سبقه يستدعى سؤالا تقديره: ماذا كانت عاقبة قوم نوح بعد أن نصحهم ووعظهم بتلك الأساليب المتعددة؟ فكان الجواب: قالَ نُوحٌ- عليه السلام- بعد أن طال نصحه لقومه، وبعد أن مكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما، وبعد أن يئس من إيمانهم وبعد أن أخبره- سبحانه- أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن.
قالَ متضرعا إلى ربه رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي أى: إن قومي قد عصوني وخالفوا أمرى، وكرهوا صحبتي، وأصروا واستكبروا استكبروا استكبارا عظيما عن دعوتي.
وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً أى: إنهم أصروا على معصيتي، ولم يكتفوا بذلك بل بجانب إعراضهم عنى، اتبعوا غيرى.. اتبعوا رؤساءهم أهل الأموال والأولاد الذين لم تزدهم النعم التي أنعمت بها عليهم إلا خسرانا وجحودا، وضلالا في الدنيا، وعقوبة في الآخرة.
فالمراد بالذين لم يزدهم مالهم وولدهم إلا خسارا: أولئك الكبراء والزعماء الذين رزقهم الله المال والولد، ولكنهم استعملوا نعمه في معصيته لا في طاعته.
وقوله: وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً صفة أخرى من صفاتهم الذميمة، وهو معطوف على صلة «من» والجمع باعتبار معناها، كما أن الإفراد في الضمائر السابقة باعتبار اللفظ.
والمكر: هو التدبير في خفاء لإنزال السوء بالممكور به.
أى: أن هؤلاء الزعماء الذين استعملوا نعمك في الشر، لم يكتفوا بتحريض أتباعهم على معصيتي، بل مكروا بي وبالمؤمنين مكرا قد بلغ النهاية في الضخامة والعظم.
فقوله: كُبَّاراً مبالغة في الكبر والعظم. أى: مكرا كبيرا جدا لا تحيط بحجمه العبارة.
وكان من مظاهر مكرهم: تحريضهم لسفلتهم على إنزال الأذى بنوح- عليه السلام-