للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحقيقة، بمعنى أن الآية تشبه حال المرابين بحال المجنون الذي مسه الشيطان، لأن الشيطان قد يمس الإنسان فيصيبه بالصرع والجنون.

ولكن الزمخشري ومن تابعه ينكرون ذلك، ويرون أن كون الصرع أو الجنون من الشيطان باطل لأنه لا يقدر على ذلك، فقد قال الزمخشري في تفسيره: وتخبط الشيطان من زعمات العرب، يزعمون أن الشيطان يخبط الإنسان فيصرع. والمس الجنون، ورجل ممسوس- أى مجنون-. وهذا أيضا من زعماتهم، وأن الجنى يمسسه فيختلط عقله، وكذلك جن الرجل معناه ضربته الجن، ورأيتهم لهم في الجن قصص وأخبار وعجائب، وإنكار ذلك عندهم كإنكار المشاهدات» «١» .

ومن العلماء الذين تصدوا للرد على الزمخشري ومن تابعه الإمام القرطبي فقد قال: «وفي هذه الآية دليل على فساد إنكار من أنكر الصرع من جهة الجن وزعم أنه من فعل الطبائع، وأن الشيطان لا يسلك في الإنسان ولا يكون منه مس. وقد روى النسائي عن أبى اليسر قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعو فيقول: اللهم إنى أعوذ بك من التردي والغرق والهدم والحريق، وأعوذ بك من أن يتخبطني الشيطان عند الموت، وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبرا وأعوذ بك أن أموت لديغا» «٢» .

وقال الشيخ أحمد بن المنير: ومعنى قول الزمخشري أن تخبط الشيطان من زعمات العرب، أى من كذباتهم وزخارفهم التي لا حقيقة لها، كما يقال في الغول والعنقاء ونحو ذلك. وهذا القول من تخبط- الشيطان بالقدرية- أى المعتزلة- في زعماتهم المردودة بقواطع الشرع، ثم قال: واعتقاد السلف وأهل السنة أن هذه أمور على حقائقها واقعة كما أخبر الشارع عنها، والقدرية ينكرون كثيرا مما يزعمونه مخالفا لقواعدهم.. من ذلك السحر، وخبطة الشيطان، ومعظم أحوال الجن. وإن اعترفوا بشيء من ذلك فعلى غير الوجه الذي يعترف به أهل السنة وينبئ عنه ظاهر الشرع في خيط طويل لهم، «٣» والذي نراه أن ما عليه جمهور العلماء من أن التشبيه على الحقيقة هو الحق، لأن الشيطان قد يمس الإنسان فيصيبه بالجنون، ولأنه لا يسوغ لنا أن تؤول القرآن بغير ظاهره بسبب اتجاه دليل عليه.

وقوله: مِنَ الْمَسِّ متعلق بيقومون أى لا يقومون من المس الذي حل بهم بسبب أكلهم الربا إلا كما يقوم المصروع من جنونه.


(١) تفسير الكشاف للزمخشري ج ١ ص ٣٢٠.
(٢) تفسير القرطبي ج ٣ ص ٣٥٥.
(٣) الانتصاف على الكشاف لابن المنير ج ١ ص ٣٢٠ من الكشاف.

<<  <  ج: ص:  >  >>