للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى البياض- مع شدته وعظمه- أشد منه وأعظم، انشقاق السماء في هذا اليوم.

قال صاحب الكشاف: وقوله يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً مثل في الشدة، يقال في اليوم الشديد، يوم يشيب نواصي الأطفال والأصل فيه أن الهموم والأحزان، إذا تفاقمت على الإنسان، أسرع فيه الشيب، كما قال أبو الطيب:

والهمّ يخترم الجسيم نحافة ... ويشيب ناصية الصبى ويهرم

ويجوز أن يوصف اليوم بالطول، وأن الأطفال يبلغون فيه أوان الشيخوخة والشيب.

وقوله: السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ وصف لليوم بالشدة- أيضا- وأن السماء على عظمها وإحكامها تنفطر فيه فما ظنك بغيرها من الخلائق.. «١» .

ووصف- سبحانه- السماء بقوله: مُنْفَطِرٌ بصيغة التذكير، حيث لم يقل منفطرة، لأن هذه الصيغة، صيغة نسب. أى: ذات انفطار، كما في قولهم: امرأة مرضع وحائض، أى: ذات إرضاع وذات حيض. أو على تأويل أن السماء بمعنى السقف، كما في قوله- تعالى-: وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً أو على أن السماء اسم جنس واحده سماوة، فيجوز وصفه بالتذكير والتأنيث..

وقوله: كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا الضمير فيه يعود إلى الخالق- عز وجل- والوعد مصدر مضاف لفاعله. أى: كان وعد ربك نافذا ومفعولا، لأنه- سبحانه- لا يخلف موعوده.

ويجوز أن تكون هذه الجملة صفة ثالثة لليوم، والضمير في وعده يعود إليه، ويكون من إضافة المصدر لمفعوله. أى: كان الوعد بوقوع يوم القيامة نافذا ومفعولا.

ثم ختم- سبحانه- هذه التهديدات بقوله: إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا.

واسم الإشارة «هذه» يعود إلى الآيات المتقدمة، المشتملة على الكثير من القوارع والزواجر.

والتذكرة: اسم مصدر بمعنى التذكير والاتعاظ والاعتبار. ومفعول «شاء» محذوف.

والمعنى: إن هذه الآيات التي سقناها لكم تذكرة وموعظة، فمن شاء النجاة من أهوال يوم القيامة، فعليه أن يؤمن بالله- تعالى- إيمانا حقا، وأن يتخذ بسبب إيمانه وعمله الصالح، طريقا وسبيلا إلى رضا ربه ورحمته ومغفرته.


(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٦٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>