للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأقوال التي تفضى بكم إلى عقابه.

وقوله: وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا أى: اتركوا ما بقي في ذمم الذين عاملتموهم بالربا ولا تأخذوا منهم إلا رءوس أموالكم فحسب، فهذا مقابل لقوله- تعالى- قبل ذلك: فَلَهُ ما سَلَفَ أى ما سلف قبضه من الربا قبل نزول الآية فهو لكم، وما لم تقبضوه فأنتم مأمورون بتركه.

وقوله: مِنَ الرِّبا متعلق بمحذوف على أنه حال من فاعل بَقِيَ أى اتركوا الذي بقي حال كونه بعض الربا، ومن للتبعيض. أو متعلق ببقى.

وذَرُوا فعل أمر- بوزن علوا- مبنى على حذف النون والواو فاعل، وأصله «وذروا» فحذفت فاؤه، والماضي منه «وذر» .

وقوله: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ حض لهم على ترك الربا أى إن كنتم مؤمنين حق الإيمان فامتثلوا أمر الله وذروا ما بقي من الربا مما زاد على رءوس أموالكم.

قال ابن كثير: نزل هذا السياق في بنى عمرو بن عمير بن ثقيف، وبنى المغيرة من بنى مخزوم كان بينهم ربا في الجاهلية فلما جاء الإسلام ودخلوا فيه، طلبت ثقيف أن تأخذه منهم فتشاوروا. وقالت بنو المغيرة: لا نؤدى في الإسلام، فكتب في ذلك عتاب بن أسيد نائب مكة إلى رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- فنزلت هذه الآية، فكتب بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إليه. فقالوا نتوب إلى الله ونذر ما بقي من الربا فتركوه كلهم. وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد لكل من استمر على تعاطى الربا بعد الإنذار» «١» ثم هدد الله- تعالى كل من يتعامل بالربا تهديدا عنيفا فقال: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.

أى: فإن لم تتركوا الربا وأخذتم منه شيئا بعد نهيكم عن ذلك، فكونوا على علم ويقين بحرب كائنة من الله- تعالى- ورسوله، ومن حاربه الله ورسوله لا يفلح أبدا.

وقوله: فَأْذَنُوا من أذن بالشيء يأذن إذا علمه. وقرئ فآذنوا من آذنه الأمر وآذنه به:

أعلمه إياه: أى أعلموا من لم ينته عن الربا بحرب من الله ورسوله.

وتنكير «حرب» للتهويل والتعظيم أى فكونوا على علم ويقين من أن حربا عظيمة ستنزل عليكم من الله ورسوله.

قال بعضهم: والمراد المبالغة في التهديد دون نفس الحرب. وقال آخرون: المراد نفس الحرب بمعنى أن الإصرار على عمل الربا إن كان من شخص وقدر عليه الإمام قبض عليه


(١) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٣٣٠ بتصرف يسير.

<<  <  ج: ص:  >  >>