روحه التراقي، على سبيل التحسر والتوجع واستبعاد شفائه. ومَنْ
اسم استفهام مبتدأ. وراقٍ
خبره، وهو اسم فاعل من الرّقية، وهي كلام يقوله القائل، أو فعل يفعله الفاعل من أجل شفاء المريض. والمراد به هنا: مطلق الطبيب الذي يرجى على يديه الشفاء لهذا المحتضر.
أى: اذكروا- أيها الناس- وقت بلوغ الروح نهايتها، ووقت أن وقف من يهمهم أمر المريض مستسلمين لقضاء الله- تعالى- وملتمسين من كل من بيده شفاء مريضهم، أن يتقدم لإنقاذه مما هو فيه من كرب، ولكنهم لا يجدون أحدا يحقق لهم آمالهم.
قال الآلوسى: قوله وَقِيلَ مَنْ راقٍ
أى: وقال من حضر صاحبها، من يرقيه وينجيه مما هو فيه، من الرقية، وهو ما يستشفى به الملسوع والمريض من الكلام المعد لذلك، ولعله أريد به مطلق الطبيب، أعم من أن يطب بالقول أو بالفعل.. والاستفهام عند البعض حقيقى. وقيل: هو استفهام استبعاد وإنكار. أى: قد بلغ هذا المريض مبلغا لا أحد يستطيع أن يرقيه.
وقيل هذا الكلام من كلام ملائكة الموت. أى: أيكم يرقى بروحه، أملائكة الرحمة، أم ملائكة العذاب، من الرقى وهو العروج. والاستفهام عليه حقيقى.
ووقف حفص رواية عن عاصم على مَنْ
وابتدأ بقوله: راقٍ
وكأنه قصد أن لا يتوهم أنهما كلمة واحدة، فسكت سكتة لطيفة، لتشعر أنهما كلمتان «١» .
والضمير المستتر في قوله- تعالى-: وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ يعود إلى هذا الإنسان الذي أشرف على الموت، والذي بلغت روحه نهاية حياتها، والظن هنا بمعنى اليقين، أو بمعنى العلم المقارب لليقين.
أى: وأيقن هذا المحتضر، أو توقع أن نهايته قد اقتربت، وأنه عما قليل سيودع أهله وأحبابه ... وسيفارقهم فراقا لا لقاء بعده، إلا يوم يقوم الناس للحساب.
وقوله- تعالى-: وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ أى: والتوت والتصقت إحدى ساقيه بالأخرى. عند سكرات الموت وشدته، فصارتا متلاصقتين لا تكاد إحداهما تتزحزح عن الأخرى، فكأنهما ملتفتان.
ويصح أن يكون المعنى: والتفت الساق بالساق عند وضع هذا الذي أدركه الموت في كفنه، لأن هذا الكفن قد ضم جميع جسده، والتصقت كل ساق بالأخرى.
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٩ ص ١٤٦.