للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا، والمتدبر في هذه الآيات التي وردت في موضع الربا، يراها قد نفرت منه تنفيرا شديدا، وتوعدت متعاطيه بأشد العقوبات، وشبهت الذين يأكلونه بتشبيهات تفزع منها النفوس، وتشمئز منها القلوب، وحضت المؤمنين على أن يلتزموا في معاملاتهم ما شرعه الله لهم، وأن يتسامحوا مع المعسرين ويتصدقوا عليهم بما يستطيعون التصدق به.

وقد تكلم الفقهاء «١» وبعض المفسرين عن الربا وأقسامه وحكمة تحريمه كلاما مستفيضا، قال بعضهم: الربا قسمان: ربا النسيئة، وربا الفضل.

فربا النسيئة: هو الذي كان معروفا بين العرب في الجاهلية، وهو أنهم كانوا يدفعون المال على أن يأخذوه في موعد معين، فإذا حل الأجل طولب المدين برأس المال كاملا، فإن تعذر الأداء زادوا في الحق وفي الأجل.

وربا الفضل: أن يباع درهم بدرهمين، أو دينار بدينارين، أو رطل من العسل برطلين، أو كيلة من الشعير بكيلتين.

وكان ابن عباس في أول الأمر لا يحرم إلا ربا النسيئة وكان يجوز ربا الفضل اعتمادا على ما روى من أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنما الربا في النسيئة» ولكن لما تواتر عنده الخبر بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: الحنطة بالحنطة مثلا بمثل يدا بيد» رجع عن قوله. لأن قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الربا في النسيئة» محمول على اختلاف الجنس فإن النسيئة حينئذ تحرم ويباح التفاضل كبيع الحنطة بالشعير. تحرم فيه النسيئة ويباح التفاضل.

ولذلك وقع الاتفاق على تحريم الربا في القسمين: أما ربا النسيئة فقد ثبت تحريمه بالقرآن كما في قوله- تعالى-: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا.

وأما ربا الفضل فقد ثبت تحريمه بالحديث الصحيح الذي رواه عبادة ابن الصامت أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير والتمر بالتمر.

والملح بالملح. مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كانت يدا بيد» .

وقد اشتهرت رواية هذا الحديث حتى صارت مسلمة عند الجميع. وجمهور العلماء على أن الحرمة ليست مقصورة على هذه الأشياء الستة، بل تتعداها إلى غيرها مما يتحد معها في العلة.

وقد فسر بعضهم هذه العلة باتحاد الجنس والقدر..» «٢» .


(١) راجع على سبيل المثال تفسير القرطبي ج ٣ صفحة ٣٤٧. وتفسير المنار ج ٣ صفحة ١٠٦. [.....]
(٢) تفسير آيات الأحكام- بتصرف وتلخيص- للشيخ محمد على السائس ج ١ صفحة ١٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>