للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أى: إنا خلقنا الإنسان بقدرتنا وحدها. «من نطفة» أى: من منّى، وهو ماء الرجل وماء المرأة، «أمشاج» أى: ممتزج أحدهما بالآخر امتزاجا تاما.

أو خلقناه من نطفة مختلطة بعناصر متعددة، تتكون منها حياة الإنسان بقدرتنا وحكمتنا.

وخلقناه كذلك حالة كوننا مريدين ابتلاءه واختباره بالتكاليف، في مستقبل حياته حين يكون أهلا لهذه التكاليف.

فَجَعَلْناهُ بسبب إرادتنا ابتلاءه واختباره بالتكاليف عند بلوغه سن الرشد سَمِيعاً بَصِيراً أى: فجعلناه بسبب هذا الابتلاء والاختبار والتكاليف مزودا بوسائل الإدراك، التي بواسطتها يسمع الحق ويبصره ويستجيب له ويدرك الحقائق والآيات الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا وصدق رسلنا.. إدراكا سليما، متى اتبع فطرته، وخالف وساوس الشيطان وخطواته.

وخص- سبحانه- السمع والبصر بالذكر، لأنهما أنفع الحواس للإنسان، إذ عن طريق السمع يتلقى دعوة الحق وما اشتملت عليه من هدايات، وعن طريق البصر ينظر في الأدلة المتنوعة الكثيرة التي تدل على وحدانية الله- تعالى- وعلى صدق أنبيائه فيما جاءوا به من عند ربهم.

وقوله- سبحانه- إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ تعليل لقوله نَبْتَلِيهِ، وتفصيل لقوله- تعالى- فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً، والمراد بالهداية هنا: الدلالة إلى طريق الحق، والإرشاد إلى الصراط المستقيم.

أى: إنا بفضلنا وإحساننا- قد أرشدنا الإنسان إلى ما يوصله إلى طريق الحق والصواب، وأرشدناه إلى ما يسعده، عن طريق إرسال الرسل وتزويده بالعقل المستعد للتفكر والتدبر في آياتنا الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا.

وقوله: إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً حالان من ضمير الغيبة في «هديناه» وهو ضمير الإنسان.

و «إما» للتفصيل باعتبار تعدد الأحوال مع اتحاد الذات: أو للتقسيم للمهدي بحسب اختلاف الذوات والصفات.

أى: إنا هديناه ودللناه على ما يوصله إلى الصراط المستقيم، في حالتي شكره وكفره، لأنه إن أخذ بهدايتنا كان شاكرا، وإن أعرض عنها كان جاحدا وكافرا لنعمنا، فالهداية موجودة في كل الأحوال، إلا أن المنتفعين بها هم الشاكرون وحدهم.

ومثل ذلك كمثل رجلين، يرشدهما مرشد إلى طريق النجاة، فأحدهما يسير في هذا الطريق

<<  <  ج: ص:  >  >>