شرابهم، فكأن المعنى: يشرب عباد الله بها الخمر، كما تقول: شربت الماء بالعسل.. «١» .
وقوله- سبحانه-: يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً صفة أخرى للعين، أى: يسيرونها ويجرونها إلى حيث يريدون، وينتفعون بها كما يشاءون، ويتبعهم ماؤها إلى كل مكان يتجهون إليه.
فالتعبير بقوله: يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً إشارة إلى كثرتها وسعتها وسهولة حصولهم عليها.
يقال: فجّر فلان الماء، إذا أخرجه من الأرض بغزارة ومنه قوله- تعالى- وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً.
ثم بين- سبحانه- بعد ذلك في آيات متعددة، الأسباب التي من أجلها وصلوا إلى النعيم الدائم. فقال- تعالى-: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً.
والنذر: ما يوجبه الإنسان على نفسه من طاعة لله- تعالى-، والوفاء به: أداؤه أداء كاملا. أى: أن من الأسباب التي جعلت الأبرار يحصلون على تلك النعم، أنهم من أخلاقهم الوفاء بالنذر، ومن صفاتهم- أيضا- أنهم يخافون يوما عظيما هو يوم القيامة، الذي كان عذابه فاشيا منتشرا غاية الانتشار.
فقوله: مُسْتَطِيراً اسم فاعل من استطار الشيء إذا انتشر وامتد أمره. والسين والتاء فيه للمبالغة، وأصله طار. ومنه قولهم: استطار الغبار، إذا انتشر في الهواء وتفرق، وجيء بصيغة المضارع في قوله: يُوفُونَ للدلالة على تجدد وفائهم في كل وقت وحين.
والتعريف في «النذر» للجنس، لأنه يعم كل نذر.
وجاء لفظ اليوم منكرا، ووصف بأن له شرا مستطيرا.. لتهويل أمره، وتعظيم شأنه، حتى يستعد الناس لاستقباله بالإيمان والعمل الصالح.
ثم وصفهم- سبحانه- بصفات أخرى فقال: وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً.
أى: أن هؤلاء الأبرار من صفاتهم- أيضا أنهم يطعمون الطعام مع حب هذا الطعام لديهم، ومع حاجتهم إليه واشتهائهم له.
ومع كل ذلك فهم يقدمونه للمسكين، وهو المحتاج إلى غيره لفقره وسكونه عن الحركة..
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٦٦٨.