للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهل الصيب في حالتي ظهور البرق واختفائه.

وكل ظرف، وما مصدرية ولاتصالها بكل أفادت الشرط والعامل فيها هو جوابها وهو مَشَوْا وأَضاءَ بمعنى لمع، وأَظْلَمَ من الإظلام وهو اختفاء النور. وقامُوا أى وقفوا وثبتوا في مكانهم. من قام الماء إذا جمد. ويقال: قامت الدابة إذا وقفت.

والمعنى: أنهم إذا صادفوا من البرق وميضا انتهزوا ذلك الوميض فرصة، فخطوا خطوات يسيرة، وإذا خفى لمعانه وقفوا في مكانهم، فالجملة الكريمة تدل على فرط حرصهم على النجاة من شدة ما هم فيه من أهوال.

ثم قال- تعالى-: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ.

لو: أداة شرط، وشاء بمعنى أراد. أى: لو أراد الله أن يذهب بسمعهم وأبصارهم لزاد في قصف الرعد فأصمهم، وفي ضوء البرق فأعماهم. أو يقال: إن قصف الرعد ولمعان البرق المذكورين في المثل سببان كافيان لأن يذهبا بسمع ذوى الصيب وأبصارهم لو شاء الله ذلك.

فيكون قوله تعالى: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ، إشعارا بأن تأثير الأسباب في مسبباتها إنما هو بإرادته- تعالى-.

وخص السمع والبصر بالذهاب مع أنها من جملة مشاعرهم، لأهمّيّتها. ولأنها هي التي سبق ذكرها، أو من باب التنبيه بالأعلى على الأدنى، لأنه إذا كان قادرا على إذهاب ما حافظوا عليه، كان قادرا على غيره من باب أولى.

ثم ختم الآية بقوله- تعالى- إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

الشيء في أصل اللغة كل ما يصح أن يعلم ويخبر عنه، ويحمل في هذه الآية على الممكن خاصة موجودا كأن أو معدوما، لأن القدرة إنما تتعلق بالممكنات دون الواجب والمستحيل.

والقدير: الفعال لما يريد، يقال: قدره على الشيء أقدره قدرة وقدرا.

وهذه الجملة الكريمة بمنزلة الاستدلال على ما تضمنته الجملة السابقة من أن الله تعالى قادر على أن يذهب بأسماع أصحاب الصيب وأبصارهم متى شاء.

وتطبيق هذا المثل على المنافقين يقال فيه: إن أصحاب الصيب لضعفهم وخورهم لا يطيقون سماع الرعد الهائل، ولا يستطيعون فتح أعينهم في البرق اللامع، فيجعلون أصابعهم في آذانهم فزعا من قصف الرعد، وخوفا من صواعق تجلجل فوق رءوسهم فتدعهم حصيدا خامدين، وكذلك حال هؤلاء المنافقين فإنهم لضعف بصائرهم، وانطماس عقولهم، تشتد عليهم زواجر القرآن ووعيده وتهديده وأوامره ونواهيه، فتشمئز قلوبهم ويصرفون عنه أسماعهم

<<  <  ج: ص:  >  >>