واختير اللون الأصفر للجمال، لأن شرر النار عند ما يشتد اشتعالها يكون مائلا إلى الصفرة.
وقيل المراد بالصفر هنا: السواد، لأن سواد الإبل يضرب إلى الصفرة.
فأنت ترى أن الله- تعالى- قد شبه الشرر الذي ينفصل عن النار في عظمته وضخامته بالقصر، وهو البناء العالي المرتفع، وشبهه- أيضا- حين يأخذ في الارتفاع والتفرق..
بالجمال الصفر، في هيئتها ولونها وسرعة حركتها، وتزاحمها.
والمقصود بهذا التشبيه: زيادة الترويع والتهويل، فإن هؤلاء الكافرين لما كذبوا بالحساب والجزاء، وصف الله- تعالى- لهم نار الآخرة بتلك الصفات المرعبة، لعلهم يقلعون عن شركهم، لا سيما وأنهم يرون النار في دنياهم، ويرون شررها حين يتطاير ... وإن كان الفرق شاسعا بين نار الدنيا ونار الآخرة.
وزيادة في التخويف والإنذار ختمت هذه الآيات- أيضا- بقوله- تعالى- وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ.
ثم صور- سبحانه- حالهم عند ما يردون على النار، ويوشكون على القذف بهم فيها، فقال- تعالى- هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ، وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ، وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ. هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ. فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ. وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ.
أى: ويقال لهؤلاء المجرمين- أيضا- عند الإلقاء بهم في النار: هذا يوم لا ينطقون فيه بشيء ينفعهم، أو لا ينطقون فيه إطلاقا لشدة دهشتهم، وعظم حيرتهم.
ويكون في الكلام التفات من الخطاب إلى الغيبة، فإنهم بعد أن خوطبوا خطاب إهانة وإذلال بقوله- تعالى-: انْطَلِقُوا أعرض المخاطبون لهم، على سبيل الإهمال لهؤلاء الكافرين، وقالوا لهم: هذا يوم القيامة الذي لا يصح لكم النطق فيه.
وهذا لا يتعارض مع الآيات التي تفيد نطقهم، كما في قوله- تعالى-: وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ لأن في يوم القيامة مواطن متعددة، فهم قد ينطقون في موطن، ولا ينطقون في موطن آخر.
وقوله- تعالى- وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ معطوف على ما قبله. أى: في يوم القيامة لا ينطق هؤلاء المجرمون نطقا يفيدهم، ولا يؤذن لهم في الاعتذار عما ارتكبوه من سوء، حتى يقبل اعتذارهم، وإنما يرفض اعتذارهم رفضا تاما، لأنه قد جاء في غير وقته وأوانه.