والمراد بالسراج الوهاج: الشمس، وصفت بكونها سراجا، لأنها كالمصباح في إضاءته لما حوله. ووصف السراج بأنه وهاج، مبالغة في شدة ضيائه ولمعانه، من الوهج- يفتح الواو والهاء- بمعنى شدة الضياء..
والكلام على التشبيه البليغ، والمقصود منه تقريب صفة المشبه إلى الأذهان، وإلا فالشمس أعظم من كل سراج.
أى: وأنشأنا وأوجدنا- بقدرتنا ومنتنا- في السماء، سراجا زاهرا مضيئا.. هو الشمس المتوهجة من شدة حرارتها وضيائها، والتي تشرق على هذا الكون فتحول ظلامه إلى نور، بقدرته- تعالى-.
أما الدليل التاسع على قدرته- تعالى- على البعث، فنراه في قوله- تعالى-:
وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً، لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً. وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً.
والمعصرات- بضم الميم وكسر الصاد- السحب التي تحمل المطر، جمع معصرة- بكسر الصاد- اسم فاعل، من أعصرت السحابة إذا أوشكت على إنزال الماء لامتلائها به..
قال ابن كثير: عن ابن عباس: «المعصرات» الرياح. لأنها تستدر المطر من السحاب.. وفي رواية عنه أن المراد بها: السحاب، وكذا قال عكرمة.. واختاره ابن جرير..
وقال الفراء: هي السحاب التي تتحلب بالماء ولم تمطر بعد، كما يقال: امرأة معصر، إذا حان حيضها ولم تحض بعد.
وعن الحسن وقتادة: المعصرات: يعنى السموات. وهذا قول غريب، والأظهر أن المراد بها السحاب، كما قال- تعالى-: اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ. وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ.. «١» .
والثجاج: المندفع بقوة وكثرة، يقال: ثج الماء- كرد- إذا انصب بقوة وكثرة.
ومطر ثجاج، أى: شديد الانصباب جدا.
وقوله: أَلْفافاً اسم جمع لا واحد له من لفظه، كالأوزاع للجماعات المتفرقة.
وقيل: جمع لفيف، كأشراف وشريف. أى: وأنزلنا لكم- يا بنى آدم- بقدرتنا ورحمتنا- من السحائب التي أوشكت على الإمطار، ماء كثيرا متدفقا بقوة، لنخرج بهذا الماء حبا تقتاتون به- كالقمح والشعير.. ونباتا تستعملونه لدوابكم كالتبن والكلأ، ولنخرج بهذا الماء- أيضا بساتين قد التفت أغصانها لتقاربها وشدة نمائها.
(١) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٣٢٧.