لأشياء مختلفة، على أوجه: واتفقوا على أن المراد بقوله: فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً وصف لشيء واحد، وهم الملائكة ... «١» .
ويبدو لنا أن كون هذه الصفات جميعها لشيء واحد، هو الملائكة، أقرب إلى الصواب، لأنه المأثور عن كثير من الصحابة والتابعين ومن بعدهم.
ثم شرع- سبحانه- في بيان علامات القيامة وأهوالها فقال: يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ. تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ.... والراجفة: من الرجف وهو الاضطراب الشديد، والحركة القوية، لأن بسببها تضطرب الأمور، وتختل الشئون. يقال: رجفت الأرض والجبال، إذا اهتزت اهتزازا شديدا.
والمراد بها: ما يحدث في هذا الكون عند النفخة الأولى التي يموت بعدها جميع الخلائق.
والمراد بالرادفة: النفخة الثانية، التي تردف الأولى، أى: تأتى بعدها، وفيها يبعث الموتى بإذن الله- تعالى-، يقال: فلان جاء ردف فلان، إذا جاء في أعقابه.
أى: اذكر- أيها العاقل- لتعتبر وتتعظ، يوم ينفخ في الصور فتضطرب الأرض وتهتز، ويموت جميع الخلق، ثم يتبع ذلك نفخة أخرى يبعث بعدها الموتى- بإذن الله- تعالى-.
وجملة «تتبعها الرادفة» في محل نصب على الحال من الراجفة.
وشبيه بهاتين الآيتين قوله- تعالى-: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ، ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ.
وقوله- سبحانه-: قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ. أَبْصارُها خاشِعَةٌ بيان لما يترتب على قيام الساعة، وبعث الخلائق، من خوف ورعب.
أى: قلوب كثيرة في هذا اليوم الهائل الشديد تكون في نهاية الاضطراب والفزع. يقال:
وجف القلب يجف وجفا ووجيفا، إذا ارتفعت ضرباته من شدة الخوف ...
وتكون أبصار أصحاب هذه القلوب خاشعة، أى ذليلة مهينة، لما يعتريهم من الفزع الشديد، والرعب الذي لا حدود له ...
ولفظ «قلوب» مبتدأ، وتنكيره للتكثير، وقوله: واجِفَةٌ صفة للقلوب، وجملة «أبصارها خاشعة» خبر ثان للقلوب.
والمراد بهذه القلوب: قلوب المشركين الذين أنكروا في الدنيا البعث والجزاء، فلما بعثوا
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٤٧٧.