عن شيء الذي لا يقصد معرفة الحقيقة، وإنما يقصد التعجيب والإنكار.
وجملة «أإذا كنا عظاما نخرة» مؤكدة للجملة السابقة عليها، التي يستبعدون فيها أمر البعث بأقوى أسلوب.
وقوله- تعالى-: قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ حكاية لقول آخر من أقوالهم الفاسدة، وهو بدل اشتمال من قوله- سبحانه- قبل ذلك: يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ.
واسم الإشارة «تلك» يعود إلى الردة المستفادة من قولهم «أإنا لمردودون....» .
ولفظ «إذا» جواب لكلامهم المتقدم. والكرّة: المرة من الكرّ بمعنى الرجوع، وجمعها:
كرّات أى: يقول هؤلاء الجاحدون: أنرد إلى الحياة التي كنا فيها بعد أن نموت ونفنى؟ وبعد أن نصير عظاما نخرة؟ لو حدث هذا بأن رددنا إلى الحياة مرة أخرى، لكانت عودتنا عودة خاسرة غير رابحة، وهم يقصدون بهذا الكلام الزيادة في التهكم والاستهزاء بالبعث.
والخسران: أصله عدم الربح في التجارة، والمراد به هنا: حدوث ما يكرهونه لهم.
ونسب الخسران إلى الكرة على سبيل المجاز العقلي، للمبالغة في وصفهم الرجعة بالخيبة والفشل، وإلا فالمراد خيبتهم وفشلهم هم، لأنهم تبين لهم كذبهم، وصدق من أخبرهم بأن الساعة حق.
وقد رد- سبحانه- عليهم ردا سريعا حاسما يخرس ألسنتهم فقال: فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ. فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ.
والزجرة: المرة من الزجر، وهو الصياح المصحوب بالغضب، يقال: زجر فلان فلانا، إذا أمره أو نهاه عن شيء بحدة وغضب.
والساهرة: الأرض المستوية الخالية من النبات.
والمراد بها هنا: الأرض التي يحشر الله- تعالى- فيها الخلائق.
قال القرطبي: قوله: فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ أى: على وجه الأرض، بعد أن كانوا في بطنها. سميت بهذا الاسم، لأن فيها نوم الحيوان وسهرهم، والعرب تسمى الفلاة ووجه الأرض ساهرة، بمعنى ذات سهر، لأنه يسهر فيها خوفا منها، فوصفها بصفة ما فيها ... «١» .
والفاء في قوله: فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ ... للتفريع على قولهم السابق، وضمير «هي» يعود
(١) تفسير القرطبي ج ١٩ ص ١٩٨. [.....]