للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: مِنْ رِجالِكُمْ متعلق بقوله: وَاسْتَشْهِدُوا ومن لابتداء الغاية ويجوز أن يكون متعلقا بمحذوف صفة لشهيدين ومن للتبعيض، أى من رجالكم المسلمين الأحرار فإن الكلام في معاملتهم.

ثم بين- سبحانه- الحكم إذا لم يتيسر شاهدان من الرجال فقال: فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ.

وقوله: مِمَّنْ تَرْضَوْنَ متعلق بمحذوف على أنه صفة لرجل وامرأتان. أى فإن لم يتيسر رجلان للشهادة فليشهد رجل وامرأتان كائنون مرضيون عندكم بعدالتهم.

وهذا الوصف وإن كان في جميع الشهود إلا أنه ذكر هنا للتشديد في اعتباره، لأن اتصاف النساء به قد لا يتوفر كثيرا.

وقوله: مِنَ الشُّهَداءِ متعلق بمحذوف حال من الضمير المفعول المقدر في تَرْضَوْنَ العائد إلى الموصول: أى فليشهد رجل وامرأتان ممن ترضونهم حال كونهم من بعض الشهداء لعلمكم بعدالتهم، وثقتكم بهم.

وقوله- تعالى-: مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أدق في الدلالة على صدق الشهادة من العدالة، لأن الإنسان العدل قد يكون مرضيا في دينه وخلقه ولكنه قد يتأثر بالمشاهد المؤثرة فتخونه ذاكرته في وقت الحاجة إليها، أو قد يكون ممن يمنعه منصبه وجاهه ومقامه في الناس من الكذب إلا أنه قد يرتكب بعض المعاصي، فجاء- سبحانه- بهذه الجملة الحكيمة لكي يقول للناس. اختاروا الشهداء من الذين يرتضى قولهم، ويقيمون الشهادة على وجهها الحق بدون التأثر بأى نوع من أنواع المؤثرات.

هذا، وشهادة النساء مع الرجال تجوز عند الحنفية في الأموال والطلاق والنكاح والرجعة وكل شيء إلا الحدود والقصاص. وعند المالكية تجوز في الأموال وتوابعها خاصة، ولا تقبل في أحكام الأبدان مثل الحدود والقصاص والنكاح والطلاق والرجعة.

ثم بين- سبحانه- العلة في أن المرأتين تقومان مقام الرجل في الشهادة فقال: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى.

قال القرطبي: معنى تضل تنسى، والضلال عن الشهادة إنما هو نسيان جزء منها وذكر جزء، ويبقى المرء حيران بين ذلك ضالا» «١» .

والمعنى: جعلنا المرأتين بدل رجل واحد في الشهادة، خشية أن تنسى إحداهما فتذكر كل


(١) تفسير القرطبي ج ٣ ص ٣٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>