للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى الاستدلال على قدرته عن طريق خلق الأرض فقال: وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها.

ولفظ «الأرض» منصوب على الاشتغال. واسم الإشارة «ذلك» يعود إلى خلق السماء وتسويتها ورفعها وإغطاش ليلها. وقوله دَحاها من الدحو بمعنى البسط، تقول:

دحوت الشيء أدحوه، إذا بسطته ...

أى: خلق- سبحانه- السماء وسواها، وأغطش ليلها وأخرج ضحاها، والأرض بعد كل ذلك الخلق البديع للسماء، بسطها وأوسعها لتكون مستقرا لكم وموضعها لتقلبكم عليها ...

وقد أخذ بعض العلماء من هذه الآية، تأخر خلق الأرض عن خلق السماء ...

وجمهور العلماء على أن خلق الأرض متقدم على خلق السماء، بدليل قوله- تعالى-:

هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً، ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ «١» .

قالوا في الجمع بين هذه الآية التي معنا، وبين آية سورة البقرة، بما روى عن ابن عباس من أنه سئل عن الجمع بين هاتين الآيتين فقال: خلق الله- تعالى- الأرض أولا غير مدحوة، ثم خلق السماء، ثم دحا الأرض بعد ذلك، وجعل فيها الرواسي والأنهار وغيرهما.

أى: أن أصل خلق الأرض كان قبل خلق السماء، ودحوها بجبالها وأشجارها، كان بعد خلق السماء.

وقالوا- أيضا- في وجه الجمع، إن لفظ بعد في قوله- تعالى- بَعْدَ ذلِكَ بمعنى مع. أى: والأرض مع ذلك بسطها ومهدها لسكنى أهلها فيها ... «٢» .

وقدم- سبحانه- هنا خلق السماء على الأرض، لأنه أدل على القدرة الباهرة، لعظم السماء وانطوائها على الأعاجيب.

وقوله- سبحانه- أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها. وَالْجِبالَ أَرْساها بدل اشتمال من قوله دَحاها، أو بيان وتفسير لدحوها، والمرعى: مصدر ميمى أطلق على المفعول، كالخلق بمعنى المخلوق، أى أخرج منها ما يرعى.

أى: والأرض جعلها مستقرا لكم، ومكانا لانتفاعكم، بأن أخرج منها ماءها، عن طريق تفجير العيون والآبار والبحار، وأخرج منها مَرْعاها أى: جميع ما يقتات به الناس والدواب، بدليل قوله- تعالى- بعد ذلك: مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ.


(١) سورة البقرة الآية ٢٩.
(٢) راجع تفسيرنا لسورة فصلت، المجلد الثاني عشر.

<<  <  ج: ص:  >  >>