للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال- تعالى-: وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً. اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً «١» .

وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ أى: قلعت وأزيلت، وأصل الكشط إزالة جلدة الحيوان عنه.

يقال: كشطت البعير كشطا، إذا نزعت جلده منه. أى: وإذا السماء نزعت وأزيلت، فلم تبق على هيئتها التي كانت عليها، من إظلالها لما تحتها.

وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ أى: أوقدت إيقادا شديدا للكفار، والجحيم هي النار ذات الطبقات المتعددة من الوقود كالحطب وغيره، وتسعيرها: إيقادها بشدة.

وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ أى: قربت وأدنيت من المؤمنين، كما في قوله- تعالى-:

وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ. من الزلفى بمعنى القرب، يقال: تزلف فلان إلى فلان، إذا تقرب منه.

وقوله: عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ هو جواب الشرط لكل تلك الظروف السابقة. أى: إذا الشمس كورت، وإذا النجوم انكدرت تبين لكل نفس ما عملته من خير أو شر، ومن حسن أو قبيح.. ورأت ذلك رأى العين، كما قال- تعالى-: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً، وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً ...

والمراد بالنفس عموم الأنفس، لأن النكرة في سياق النفي تشمل كل نفس وأسند- سبحانه- الإحضار إلى النفوس، لأنها هي المباشرة لأعمالها في الدنيا، والتي ستجد جزاءها في الآخرة.

وجعلت معرفة النفوس لجزاء أعمالها، حاصلة عند حصول مجموع الشروط التي ذكرت في الجمل الاثنتى عشرة، لأن بعض الأزمان والأحوال التي تضمنتها هذه الشروط مقارن لحصول علم النفوس بأعمالها، كما في الستة الأخيرة، فإنها تكون عند فصل القضاء، وبعضها يحصل قبل ذلك بقليل، كما في الأحوال الستة المذكورة أولا، إلا أنه لما كان بعض هذه الأمور من مبادئ يوم القيامة، وبعضها من روادفه، نسب علمها بذلك إلى زمان وقوع هذه الأمور كلها، تهويلا للخطب، وتفظيعا للأمر. وإشعارا بأن ما يسبق يوم القيامة وما يعقبه، كل ذلك من الأهوال التي يشيب لها الولدان.

وبعد أن ساق- سبحانه- ما ساق من أحوال تدل على شدائد يوم القيامة، أتبع ذلك


(١) سورة الإسراء الآيتان ١٣، ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>