وقرأ ابن كثير والكسائي وأبو عمر بظنين- بالظاء- أى: وما هو على الغيب بمتهم، من الظنة- بالكسر- بمعنى التهمة.
ثم قال: ورجحت هذه القراءة، لأنها أنسب بالمقام، لاتهام الكفرة له صلى الله عليه وسلم بذلك، ونفى التهمة، أولى من نفى البخل. «١» .
وهذا القول لا نوافق الآلوسى- رحمه الله- عليه، لأن القراءة متى ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز التفاضل بينها وبين غيرها التي هي مثلها في الثبوت، والقراءتان هنا سبعيتان، ومن ثم فلا ينبغي التفاضل بينهما. والمعنى عليهما واضح ولا تعارض فيه.
أى: وما محمد صلى الله عليه وسلم ببخيل بتبليغ الوحى، بل هو مبلغ له على أكمل وجه وأتمه، وما هو- أيضا- بمتهم فيما يبلغه عن ربه، لأنه صلى الله عليه وسلم سيد أهل الصدق والأمانة.
وقوله- سبحانه- وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ معطوف- أيضا- على قوله- تعالى- إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ والضمير هنا يعود على القرآن الكريم.
أى: وليس هذا القرآن الكريم، المنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بقول شيطان مرجوم مسترق للسمع.. وإنما هو كلام الله- تعالى- الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وهذا رد آخر على المشركين الذين زعموا أن القرآن الكريم إنما هو من باب الكهانة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هو كاهن، تلقنه الشياطين هذا القرآن.
وقوله- سبحانه-: فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ جملة معترضة بين ما سبقها، وبين قوله- تعالى- بعد ذلك إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ، والمقصود فيها توبيخهم وتعجيزهم عن أن يأتوا ولو بحجة واحدة يدافعون بها عن أنفسهم.
والفاء لتفريع هذا التعجيز والتوبيخ، على الحجج السابقة، المثبتة بأن هذا القرآن من عند الله- تعالى- وليس من عند غيره.
وأين اسم استفهام عن المكان، والاستفهام هنا للتعجيز والتقريع، وهو منصوب بقوله: تَذْهَبُونَ.
أى: إذا كان الأمر كما ذكرنا لكم، فأى طريق تسلكون أوضح وأبين من هذا الطريق الذي أرشدناكم إليه؟ إنه لا طريق لكم سوى هذا الطريق الذي أرشدناكم إليه.
(١) راجع تفسير الآلوسى ج ٣٠ ص ٦١.