للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معتدلة، متناسبة الأعضاء، فالتسوية ترجع إلى عدم النقصان في الأعضاء، والتعديل يرجع إلى عدم التخالف فيها وهذا، باعتبار الأصل في خلق الإنسان، فلا عبرة بوجود ما يخالف ذلك في قلة من أفراد الإنسان.

والمعنى: يا أيها الإنسان، أى شيء خدعك وجرأك على معصية ربك الكريم ... الذي من مظاهر كرمه أنه خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ بأن جعل أعضاءك سوية سليمة. مهيأة لا لاكتساب منافعها على حسب ما تقتضيه حكمة خالقك فَعَدَلَكَ أى: فعدل أعضاءك بأن جعلها متناسقة متوازنة بعضها مع بعض، فلم يجعل- مثلا- إحدى يديك طويلة والأخرى قصيرة. ولم يجعل- مثلا- جانبا من جسدك أبيض، والأخر أسود.

ومن مظاهر قدرته وكرمه- أيضا- أنه- سبحانه- ركبك ووضعك في أى صورة من الصور المتنوعة التي اقتضتها مشيئته وحكمته.

فقوله: فِي أَيِّ صُورَةٍ متعلق بركبك. و «ما» مزيدة، و «شاء» صفة لصورة.

ولم يعطف «ركبك» على ما قبله بالفاء، كما عطف ما قبله بها، لأنه بيان لقوله:

فَعَدَلَكَ. والتقدير: فعدلك بأن ركبك في أى صورة من الصور التي شاءها لك، وهي صورة فيها ما فيها من العجائب والأسرار، فضلا عن أنها أحسن صورة وأكملها، كما قال- تعالى-: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ.

فالمقصود من الآيات الكريمة، تذكير الإنسان بفضل ربه- تعالى- عليه، وحضه على طاعته وشكره، وتوبيخه على تقصيره وجحوده، وتهديده بسوء المصير إذا ما استمر في غفلته وغروره.

قال بعض العلماء: إن خلق الإنسان على هذه الصورة الجميلة السوية المعتدلة، الكاملة الشكل والوظيفة. أمر يستحق التدبر الطويل، والشكر العميق. والأدب الجم لربه الكريم الذي أكرمه بهذه الخلقة.

وهناك مؤلفات كاملة في وصف كمال التكوين الإنسان العضوى ودقته وإحكامه.

كاكتمال التكوين الجسدى، والعضلى، والجلدى، والهضمى، والدموي والعظمى، والتنفسى، والتناسلى، والعصبي ... للإنسان.

وإن جزءا من أذن الإنسان «الأذن الوسطى» لهو سلسلة من نحو أربعة آلاف جزئية دقيقة معقدة، متدرجة بنظام بالغ الدقة في الحجم والشكل.

ومركز حاسة الإبصار في العين التي تحتوى على مائة وثلاثين مليونا من مستقبلات الضوء،

<<  <  ج: ص:  >  >>